
بقلم: د. بدر السماوي – جريدة الشعب بتاريخ 19 أكتوبر 2023
سيسجل التاريخ أن 7 أكتوبر 2023 دشن مرحلة جديدة على طريق تحرير فلسطين ونقلة نوعية في أساليب المقاومة تحدث لأول مرة بهذا البأس والعزم منذ سنة 1948 كشفت ضعف العدو الصهيوني وهشاشته وعجزه وأظهرت للعالم مدى قوة وفاعلية المقاومة في فلسطين وقدرتها على ضرب الكيان المحتل وإيلامه. ففي فجر ذلك اليوم فاجأت المقاومة المباركة في فلسطين بقيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام العالم أجمع بملحمة “طوفان الأقصى” في عملية أسطورية مرّغت أنف الجيش الصهيوني في التراب وأثبتت أنه الجيش الذي يُقهر ويُدمّر بل ويمرّغ أنفه في التراب.
لقد نُشر ما فيه الكفاية عن هذه الملحمة ولم تعد الأخبار والتفاصيل خافية على المواطن العادي فما بالك بالنخبة من سياسيين ونقابيين وغيرهم. لذلك من المفيد تجاوز الاستهلاك العادي لتخمة الأخبار إلى تحليلها واستخراج دروسها لاستشراف المستقبل بما يعزز القدرة على الفعل فيه.
أولا: أثبتت عملية 7 أكتوبر 2023 أن الكيان الصهيوني الذي تم تركيزه كقاعدة عسكرية استيطانية في قلب الوطن وصل إلى نقطة النهاية وبدأ العد التنازلي لوجوده. وقد سبق أن عرف العدو قبل طوفان الأقصى ببضعة أشهر أزمة داخلية حادة وصلت إلى ما يشبه الحرب الأهلية. وتمثلت آنذاك في تظاهرات واضرابات ثم انتقلت الأزمة من الشارع إلى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية وتحديداً الجيش الصهيوني حيث أعلن المزيد من ضباط وجنود الاحتياط وبقية الأسلاك العسكرية التمرد على الخدمة. ولم تكن هذه الأزمة مظهرا من مظاهر الديمقراطية كما قد يتبادر إلى الذهن بل صدى لتصاعد المقاومة خاصة في الفترة الأخيرة وقيامها بعمليات نوعية على غرار ” وحدة الساحات” و ” ثأر الأحرار” وغيرها.
ثانيا: أثبتت عملية طوفان الأقصى عبقرية قادة المقاومة في التخطيط العسكري حيث نجحت في اختراق الجدار العازل ومنظومة المراقبة الالكترونية التي تعد الأبرز في العالم والأقمار الصناعية واختيار التوقيت المناسب واعتماد عنصر المخاتلة والمفاجأة بما يعني أن الهجوم على العدو كان منسقا بشكل كبير للغاية. وقد أكد العميد التونسي توفيق ديدي أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية سيُغيّر كل ما يُدرّس في الكليات الحربية.
ثالثا: أمام خطر انهيار المشروع الصهيوني بل زواله هرع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرّة ليس لنجدة هذا العدو المجرم الغاصب بل لتولّى قيادة كيان العدو بمختلف أجهزته بنفسه حيث أصبحت القيادات الأمريكية تشرف مباشرة على المجازر والقتل والتدمير وترسل حاملات الطائرات وتضخّ أطنان الأسلحة ومليارات الدولارات لتغذية عصابة من القتلة والمجرمين والجزارين الذين يفرون من ساحات القتال ويستعرضون عضلاتهم على الشعب الأعزل في غزة في عملية إبادة جماعية تتجاوز جرائم النازية والفاشية . وكانت آخر هذه المجازر قصف مستشفى المعمداني في غزة الذي أدى إلى ما يناهز 800 شهيدا.
رابعا: أسقطت معركة “طوفان الأقصى” القناع عن الغرب الاستعماري المجرم والمنافق الذي أصمّ آذاننا بالحديث عن الديموقراطية والحريات وإذ به يقمع أبسط الحريات لدى شعوبه مثل حرية التظاهر وحرية التعبير وحرية ارتداء ما يشير إلى فلسطين وحجب المواقع على صفحات التواصل الاجتماعي بل شاهدنا أجهزة القمع الغربية تعتدي على المتظاهرين بكل شراسة بما في ذلك القنابل المسيلة للدموع
خامسا: كشفت المعركة أن الغرب والكيان الصهيوني أصبح محترفا في الكذب والتزييف وقلب الحقائق بكل وقاحة ودون محاسبة . ومثلما غزوا العراق ودمّروه بكذبة أسلحة الدمار الشامل واعترفوا لاحقا بكذبتهم، ها هم يبنون عدوانهم الحالي على أكاذيب ذبح الأطفال الصهاينة واغتصاب النساء الصهيونيات وهم يعرفون أنهم يكذبون.
سادسا: ما لم يضعه هؤلاء الاستعماريون في الحسبان أن الإرهاب والاحتلال لن يعمّرا وأن طوفان الأقصى بدأ يتحول إلى طوفان هادر يمثل حاضنة شعبية لفصائل المقاومة في مختلف الساحات ومختلف الجبهات التي تمثل النموذج الوحيد لتحرير الأرض والإنسان . وقد دلت الهبة الشعبية مساء الثلاثاء 17 أكتوبر في كافة أرجاء العالم وخاصة في الأقطار العربية تحول طوفان الأقصى إلى طوفان عربي بل عالمي وعكس مدى الغضب على الاستعمار والصهيونية ومدى دعم الحق الفلسطيني الذي لا يسقط بالتقادم. لذلك كانت الوجهات سفارات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
سابعا: لا يمكن أن تحجب آلام المجازر والقصف والتدمير أن ممارسات العدو الهمجية والبربرية ليست سوى عنوان الضعف والانهزام وأننا نعيش مخاضا دوليا جديدا تتراجع فيه الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها لذلك نراها تتشبث بمخالبها وأنيابها في فردوس استعبادها للشعوب حتى لا تفقده فهي كالخنزير الجريح يدمر يمنة ويسرة ظنا أن ذلك سيوقف سير التاريخ نحو انعتاق الشعوب وتحرّر البلدان. وفي المقابل تثبت المقاومة الفلسطينية ومن حولها محور المقاومة صمودها وصلابتها وصبرها وقد صدق أحد قادتها حين قال”صمودنا أقوى من جرائمهم”.
إن أفضل منحى يتمثل في قطع رأس الأفعى وهو ما بشر به “طوفان الأقصى”