شرعت الحكومة مؤخرا في تطبيق بعض مقتضيات الأمر الحكومي عدد 436 لسنة 2021 المؤرخ في 17 جوان 2021 المتعلق بإنهاء العمل بآلية تشغيل عملة الحضائر الجهوية والحضائر الفلاحية. وقد قسم الأمر عملة الحضائر إلى ثلاث مجموعات حسب السن معتمدا على يوم 20 أكتوبر 2020 وهو تاريخ إمضاء الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل. ولئن تم التقدم نسبيا في تسوية وضعية العملة ممن تجاوز سنهم 60 سنة وممن سنهم دون 45 سنة إلا أنّ الوضع يختلف لمن يترواح سنهم بين 45 و55 سنة. ففيما يتعلق بالعملة الذين سنهم فوق الستين فسيحصلون على منحة تعادل المنحة المسندة للفئات الفقيرة المنتفعين ببرنامج الأمان الاجتماعي والمحددة شهريا ب 180 دينار والتي تم الترفيع فيها إلى 200 دينار بداية من غرة جانفي 2022 بمقتضى قانون المالية لسنة 2022.
وتقوم حاليا وزارة المالية بضبط قائمة المستحقين وهم الذين يتضح أنهم لا تتوفر فيهم شروط الحصول على جراية تقاعد بعنوان عمل سابق سواء في القطاع العمومي أو في القطاع الخاص. وهم الآن بصدد الحصول بصفة مؤقتة على 180 دينارا في انتظار إمضاء اتفاقية بين وزرة المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي عُهد له بالتصرف في هذه المنح. أما بالنسبة لمن سنهم دون 45 سنة فقد انطلقت الحكومة في تسوية وضعيتهم منذ بداية هذا الشهر وذلك بتوزيعهم على خمس دفعات من الأكبر سنّا إلى الأصغر سنّا بمعدل ستة آلاف عامل في كل دفعة. كما وقع تخصيص منصة رقمية تمكنهم من الاطلاع على الدفعة التي ينتمون إليها وتقديم الاعتراضات عند الاقتضاء. ومن المنتظر دعوة العملة المنتمين إلى الدفعة الأولى إلى القيام بإجراءات التسوية خلال الفترة الممتدّة من فيفري إلى ماي 2022. وقد استبشر العملة المعنيون بهذه الخطوة وتفاعلوا مع المنصة.
ويبقى الاشكال في العملة ممن يتراوح سنهم بين 45 و55 سنة والمشمولين بالقانون عدد 27 المؤرخ في 7 جوان 2021 الذي أقر بأن تتكفّل الدولة بتسوية وضعيتهم سواء بالانتداب في مدة أقصاها خمس سنوات أو بمنح صك مغادرة لمن اختار الخروج الطوعي. إلا أن الأمر الحكومي 436 لم يضبط إجراءات ترتيبية لهذه الفئة بل اكتفى بالتنصيص على أن تسوية وضعيتهم تتم على دفعات ” تراعي توازنات المالية العمومية وتضبطها الميزانية السنوية للدولة”.
وحيث أن ميزانية الدولة لسنة 2022 وهي أول ميزانية تصدر بعد الأمر المذكور لم تخصص لهم أي اعتماد مالي فقد دخلوا في تحركات احتجاجية في عدة جهات كانت أعنفها توجه عدد منهم في لحظة غضب إلى الحدود الجزائرية والاعتصام هناك في ظروف مناخية قاسية حيث تعرضوا إلى مضايقات من بعض الأطراف التي يقف وراءها من كان سببا فيما آل إليه وضعهم. ولئن مثلت تسوية وضعية العملة الأكبر والأقلّ سنا مؤشرا إيجابيا من شأنه أن يساهم في طي ملف التشغيل الهش فإن تعامل السلطة مع الفئة التي يتراوح سنها بين 45 و55 سنة يشبه إلى حد ما تعامل الأسر مع الابن الأوسط مثلما ذهب إليه علماء النفس. فقد أثبتت عدة دراسات أن الأسر لا تتعامل بنفس الدرجة مع أطفالها حيث يعاني الابن الأوسط من التهميش العائلي غير المتعمد من قبل الأولياء الذين يميلون عادة إلى الطفل الأول لكونه أول فرحتهم ومصدر فخرهم، كما يدللون عادة الابن الأصغر ولا يرفضون له طلباً. لكن هؤلاء العلماء يؤكدون من ناحية أخرى أن الأبناء في الترتيب الأوسط هم الأكثر مغامرة وجرأة وتحديا من أشقائهم الأكبر والأصغر سنا. فهل يتدارك ” أولياء” البلاد هذا الوضع ويرفعون عن عملة الحضائر ” مظلمة الابن الأوسط”؟
بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 28 جانفي 2022 – ” نافذة على الوطن”