عندما تضيع البوصلة على بعض ” القوميين”

بقلم د. بدر السماوي صدر بجريدة الشروق التونسية بتاريخ 8 ماي / أيار 2023

أن يُعبّر الاتحاد الأوروبي وبرلمانه عن قلقهما من وضع الحريات في تونس إثر اعتقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة وقيادات سياسية أخرى فذلك أمر منتظر، وأن تتعاطف وزارة الخارجية الأمريكية أو بعض النوّاب الأمريكيين مع الغنوشي ومع رفاقه فهو أمر عادي. أمّا أن تصدر نفس المواقف عن شخصيات عربية عُرفت تاريخيا بمواقفها القومية والوطنية فذلك ما يثير الاستغراب ويبعث على الحيرة. وبالفعل فقد أصدر ثمان شخصيات منهم الأمين العام الحالي للمؤتمر القومي العربي وأمناء عامون سابقون له وبعض أعضائه بيانا بتاريخ 26 أفريل الماضي يدعون فيه السلطات التونسية إلى إطلاق سراح زعيم حركة الاخوان المسلمين بتونس وجماعته الذين لهم مواقف وممارسات تتناقض كليا مع المواقف الوطنية العربية ويعملون وفق أجندا استعمارية وصهيونية ونذكر منها خاصة الموقف من القضية المركزية فلسطين ومن المؤامرة الدولية على الجمهورية العربية السورية.

ففي موضوع القضية الفلسطينية لم يأخذ الموقعون على البيان بعين الاعتبار ما قاله الغنوشي في محاضرة أمام منظمة “الأيباك” الصهيونية بحضور أغلب القادة الأمريكان المتصهينين مثل جوزيف ليبرمان وجون ماكين من أن ” النزاع الفلسطيني “الاسرائيلي” لا يعنينا لأنّه شأن خاص بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”. كما أنّهم نسوا أو تناسوا أنّ الغنوشي وجّه في فيفري 2020 رسالة إلى هوارد كوهر الرئيس التنفيذي في “إيباك” بواشنطن تبرّأ فيها من تصريحات الرئيس قيس سعيد المناهضة “لإسرائيل ” مؤكدا أنّه لن يسمح بوصفه رئيسا للبرلمان التونسي بتمرير أي قانون لتجريم التطبيع مُجدّدا تعهدات حركة “النهضة” في 2011 بالعاصمة الأمريكية في هذا الشأن والتي كرستها لاحقا عندما أصبحت لها الأغلبية في المجلس التأسيسي بالاعتراض على إدراج فصل في الدستور لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.

أمّا في موضوع سورية فقد أعطت حركة النهضة لمّا كانت في الحكم وفي عهد حليفها الرئيس المؤقت منصف المرزوقي إشارة انطلاق المؤامرة الدولية على الجمهورية العربية السورية باستضافتها مؤتمر أعداء سوريا سنة 2012 ثم كانت وراء قطع العلاقات معها. كما أشرفت الحركة تحت قيادة الغنوشي وبالتعاون مع استخبارات أجنبية على تجنيد آلاف الشباب التونسيين وتسفيرهم إلى سوريا عبر تركيا والذين قاموا بتقتيل الشعب السوري ومحاربة جيشه وتدمير بناه التحتية دعما لما سمي ب”الثورة السورية” ونشر ” الديموقراطية” الأمريكية في محاولة بائسة لإسقاط الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد.

وفيما يخص الوضع الداخلي في تونس والذي كان من المفروض على مُوقّعي البيان إدراكه دون أن يكونوا مقيمين بالضرورة بيننا بحكم خبرتهم التي تمتد على عدة عقود نكتفي بإعلامهم بأنّ صديقهم وحركته حوّلوا البلاد إلى مزرعة خاصة فخرّبوا الاقتصاد وجمّدوا استخراج الثروات الطبيعية وفتحوا السوق للبضائع الأجنبية وخاصة منها التركية دون رقيب مما دمّر الصناعات المحلية وأدّى إلى إغلاق آلاف المؤسسات وإحالة عشرات الآلاف من العمال على البطالة. كما تورطت قيادات حركة النهضة في غسيل الأموال والتلاعب بمئات ملايين المليارات سُخّرت للحملات الانتخابية وشراء الأنصار والاتجار بالبشر. كما قاموا باختراق أجهزة الدولة ومهدوا الطريق للإرهاب والتكفير فكانت الحصيلة اغتيال أكثر من 500 أمنى وعسكري فضلا على الاغتيالات السياسية التي ذهب ضحيتها المناضلان الوطنيان الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

إنّ خطأ أصحاب البيان لا يقتصر على الدفاع على هكذا مواقف وممارسات بل الأخطر منه إهانة الشعب التونسي الذي خرج يوم 25 جويلية 2021 مطالبا بإزاحة عملاء الاستعمار وأعداء العروبة وهو ما تلقفه الرئيس قيس سعيد فأقدم على عدة إجراءات جريئة مندّدا بمحاولات التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس ومُعلنا دعمه للقضية الفلسطينية ورفض التطبيع. ومن آخر قراراته إعادة العلاقات مع سورية وتعيين سفير في دمشق. كما شرع في حملة مقاومة للفساد الذي استشرى بفعل الأورام التي زرعها الغنوشي وحلفاؤه في مختلف مفاصل الدولة على مدى سنوات. وهناك أبحاث جارية وملفات بين يدي القضاء وهو الوحيد الذي له صلاحية البت فيها. فهل تعود إلى هؤلاء ” القوميين ” البوصلة بعد كل ما قيل وما حصل ويتراجعون على هذه السقطة حتى لا يشوّهوا تاريخهم بحثالة تجاوزها الشعب التونسي علما أنّ القوى الوطنية والقومية الحقيقية استنكرت البيان العار وتبرأت منه وطالبت أصحابه بالتراجع عنه.

عندما تضيع البوصلة على بعض ” القوميين”
أنشره