
بقلم: الحبيب السماوي، ناشط سياسي من تونس
صدر بجريدة الشروق التونسية بتاريخ 13 جوان/ حزيران 2021
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتابُ
إنّي الدمشقي الذي احترف الهوى*** فاخضوِضَرت بغنائه الأعشابُ
هذا مطلع لقصيدة طويلة للشاعر العربي السوري نزرا قباني في مهرجان ربيع الفنون بالقيروان في أفريل 1995 وهي قصيدة رائعة تغنّى فيها بحب تونس الخضراء ولخّص فيها الروابط الحقيقية بين تونس ودمشق وقال ” لم أتصور يوما في حياتي أن أستطيع أن أقطف المجد مثل هذا المجد” مشيرا إلى ما لقيه في القيروان حين ألقى أمام الآلاف وانقطع عنه الهواء والأكسيجين بسبب الاكتظاظ المهول في القاعة لكنه تنفس أوكسجين الشعر والحب.
أما اليوم فالمشهد يختلف يا شاعرنا وأنت تحت الثرى إذ أصبحنا نناضل من أجل إعادة العلاقات مع سورية إلى مسارها الطبيعي الضارب في التاريخ منذ قرون مرورا بالعهود الإسلامية وصولا إلى المرحلة الراهنة بعد أن تم قطع العلاقات مع الجمهورية العربية السورية من قبل حكومة الترويكا بزعامة حركة النهضة والتغرير بالشباب التونسي وتسفيره لقتال إخوتنا ظلما وفتنة وبهتانا وتنفيذا لأجندة الصهاينة والأمريكان. وما تزال القوى الوطنية بتونس تطالب برفع هذا القرار الظالم وتنظم التحركات معتبرة أن سورية هي قلب العروبة النابض لاسيما في هذه الفترة التي شهدت صمود وانتصار الجيش العربي السوري على قوى الظلام التركية الصهيونية الاستعمارية. فالمطالبة بعودة العلاقات في ظاهرها هو إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارتين أما في عمقها فهي عودة الروح للجسد بفتح الباب التزاور بين الأشقاء بل بين العائلات المتصاهرة. وفي تجلياتها العميقة الأخرى هي إرجاع جسور التعاون الاقتصادي والثقافي والرياضي واستئناف التبادل التجاري بين البلدين المزدهر قبل 2011 .
أما في المجال الثقافي فإن الإنتاج الموسيقي والمسرحي السوري حاضر في وجدان التونسيين بدءا بدريد لحام بمسرحياته الهزلية وصباح فخري بطربه الراقي والفرق الموسيقية للقدود الحلبية وغيرها مثلما للفنانين التونسيين صولات وجولات بالمسارح السورية. كما تعود ذاكرتنا إلى التعاون الإعلامي الوطيد بين التلفزيون التونسي وشقيقه السوري حيث كان الإعلامي المرحوم نجيب الخطاب يقدم سهرة شهرية مشتركة تارة من سورية وأخرى من تونس. وقد تم سنة 2018 تنظيم أسبوع ثقافي سوري جاب العديد من المدن التونسية وكان بقيادة الممثل الشهير زهير رمضان “أبو جودت”. وتحفظ العائلات التونسية اللهجة السورية وتتقن إعداد الأكلات السورية عبر المسلسلات الدرامية الرائعة. وفي المجال السياحي اشتاق التونسيين لزيارة الحارة الدمشقية واقتناء المنتوجات التقليدية الجميلة والقيام بالجولات الرائعة في المدن العتيقة وبالمواقع الأثرية التي تروي تاريخنا العربي والإسلامي المشترك. أما في المجال الرياضي فقد وضع أشقاؤنا السوريون ثقتهم في طاقم فني تونسي يقوده المدرب نبيل معلول للإشراف على تدريب المنتخب السوري لكرة القدم.
إن إعادة العلاقات مع الشقيقة سورية ستكون نقطة انطلاق لتعاون استراتيجي وذلك بتفعيل الاتفاقيات التي تم توقيعها سابقا بين البلدين ومن أهمها الاقتصادية والقضائية والثقافية وإعادة خط النقل البحري المباشر بين سورية وتونس والخط الجوي بين تونس ودمشق الذي كانت تؤمنه الخطوط التونسية. كما أنها ستعيد تونس إلى موقعها الطبيعي الوطني لدعم محور المقاومة العربية المناضل من أجل تحرير فلسطين وتجريم التطبيع وإسقاط ما بقي من آثار الربيع العربي المزعوم الذي أجهزت عليه القوى الوطنية العربية وفي مقدمتها الجيش العربي السوري البطل وأكدتها انتفاضة سيف القدس التي نسفت الصفقات التطبيعية المشبوهة وأعادت الحق الفلسطيني إلى صدارة المشهد عربيا ودوليا. لذلك نرى اليوم أولئك الذين قطعوا العلاقة مع سورية يستميتون في قمع الأصوات المنادية بإعادتها حتى لا ينكشف حجم الجريمة التي ارتكبوها والموجودة حججها بالتفصيل لدى الإخوة السوريين مثلما يسعون لإقناعنا أن لا حل للصعوبات الاقتصادية إلا باللجوء إلى صندوق النقد الدولي والارتهان لأسيادهم وليس بالتعاون بين الأشقاء العرب.
إن أملنا وأمل كل الأصوات العربية الوطنية في عودة العلاقات بين البلدين الشقيقين مثلما قال الشاعر نزار قباني في آخر القصيدة: قرطاجة، قرطاجة، قرطاجة، هل لي لصدرك رجعة ومتاب؟ ونحن نجيبه ” نعم دمشق دمشق دمشق ،سيكون لصدرك عودة ومآب”.