بقلم د. بدر السماوي – الأمين العام لحركة النضال – الشروق :13 أوت 2024
مثل قانون الأمومة والأبوة الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب في آخر يوم من دورته النيابية أثمن هدية للمرأة التونسية في عيدها الوطني الموافق للثالث عشر من شهر أوت من كل سنة والذي يتزامن مع صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956. ومن أهم ما نص عليه هذا القانون التمديد في راحة الأمومة والإحداث لأول مرة لعطلة ما قبل الولادة وأخرى ما بعد عطلة الولادة والتمديد في راحة الأبوة وتوحيد هذه المنافع بين القطاعين العام والخاص.
في البدء كانت المرأة
كانت مجلة الأحوال الشخصية التي وقف وراءها الزعيم الحبيب بورقيبة أول تشريع يصدر بعد الاستقلال ولم تكن مجرد نص معزول مقتصر على المرأة بل اندرجت ضمن نظرة شاملة سعت إلى تركيز منظومة اجتماعية جديدة تهم الأسرة فتم في الوقت نفسه الشروع في تنظيم النسل وبعث نظام الضمان الاجتماعي بما يتضمنه من امتيازات للأسرة وللمرأة وإرساء إجبارية التعليم للذكور والإناث على حد سواء حتى أن نسبة تمدرس الفتيات ارتفعت تدريجيا حتى بلغت أعلى المستويات وناهزت 99 بالمائة. وتمكنت المرأة التونسية شيئا فشيئا من دخول معترك الحياة من بابه الواسع فاقتحمت مختلف المجالات والمهن وبرزت عدة أسماء نسائية في المجالات السياسية والاقتصادية والطبية والتعليمية وغيرها سواء على المستوى الوطني أو العالمي.

طعنات في الظهر
أصيبت حقوق المرأة في تونس بداية من سنة 2011 بطعنات كانت أبرزها محاولة القوى التي استولت غدرا على السلطة آنذاك تمرير فصل في الدستور يعتبر المرأة مُكمّلة للرجل وكذلك فتاوى شيوخ الفتنة والتكفير لبدعة ختان البنات ثم إرسال الفتيات إلى المشرق لممارسة جهاد النكاح لدى التنظيمات الإرهابية. وعرفت تونس في نفس الفترة طعنة أخرى لا تقل خطورة عندما قامت بعض النساء بالتظاهر عاريات الصدر في جوان 2013 بدعوى الدفاع على حقوق المرأة وحريتها. وفي سنة 2018 تضمن تقرير لجنة الحريات والمساواة مفاهيم مُسقطة على الواقع التونسي مثل المطالبة بإلغاء المهر باعتباره مهانة للمرأة وإلغاء العدة بدعوى أن العصر تجاوزها وتطوير نظام الميراث وغيرها.
الخروج من النفق
دعا مسار 25 جويلية 2021 في إطار رد الاعتبار إلى المرأة إلى العناية بالأسرة وإلى مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة فأكد دستور 2022 على أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع وأوجب على الدولة حمايتها مثلما ألزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على دعمها وتطويرها وضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في مختلف المستويات. كما دعا الدولة إلى السعي إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة وألزمها باتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة. وفي إطار تكريس المساواة الحقيقية وليس الشكلية بين المرأة والرجل تم على سبيل المثال إلغاء التناصف من القانون الانتخابي علما أن هذا التناصف لم يؤد بمناسبة الانتخابات التشريعية لسنتي 2014 و 2019 سوى إلى نسبة 30 في المائة من النساء. وفي المقابل بلغت نسبة النساء في الغرفتين المنبثقتين عن انتخابات سنتي 2023 و 2024 نسبا تراوحت بين 10 و 16 في المائة وهي نسب تعتبر أفضل من النسب السابقة لأن المرأة حصلت عليها عن جدارة.
رائدات تونسيات
أصدر البريد التونسي سنة 2022 مجموعة من الطوابع البريدية تحمل كل واحد منها صورة لامرأة تميزت في مجالها أو لعبت دورا هاما في تاريخ البلاد أو لها مكانة مميزة في الذاكرة التونسية الرسمية والشعبية. كما أطلقت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن منذ بضعة أيام منصّة رّقميّة لرائدات تُونسيّات في العديد من المجالات موزّعة على مختلف الحِقب التاريخيّة. وتعددت في السنوات الأخيرة برامج التمكين الاقتصادي للمرأة من أبرزها برنامج رائدات لريادة الأعمال النسائية بهدف دفع المبادرة الاقتصادية النسائية الخاصة وتم أيضا وضع الآليات الكفيلة للحد من ظاهرة العنف بعد أن ظل القانون الصادر سنة 2017 طي الرفوف وذلك بإحداث مراكز إيواء النساء ضحايا العنف وفرق مختصة للبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل.
المرأة الفلسطينية في البال
بعثت المناضلة بشيرة بن مراد عند اغتصاب فلسطين سنة 1948 ” هيئة فلسطين” لجمع التبرعات ودعت النساء إلى العمل بالمثل معتبرة ذلك ” مفخرة لامرأتنا الحازمة اليقظة الساعية إلى جلب سعادة ورقي الوطن العربي العظيم وامتثالا لنداء الواجب المقدس”. لذلك كانت المرأة التونسية منذ اندلاع ملحمة الأقصى في مقدمة المناصرين للحق الفلسطيني وخاصة للمرأة الفلسطينية التي تنجب الأبطال والمجاهدين والتي تقف إلى جانب الرجل الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني. وهكذا لم تنفك المرأة خلال الأشهر العشرة الأخيرة تتابع بكل اهتمام الأخبار وتنخرط في جمع التبرعات وتتقدم المظاهرات.
مكانة المرأة من سيادة الوطن
اعتبر الرئيس قيس سعيد سنة 2018 وكان آنذاك أستاذا في القانون الدستوري أن تقرير الحريات والمساواة مُملى مثل عديد التوصيات من الدوائر الغربية التي تعمل على إدخال تعديلات على التشريعات التونسية مستنكرا تدخل الغرب في شؤوننا ومتسائلا : ” هل تدخلنا في تشريعاتهم واختياراتهم ؟ أم أنهم يعتبروننا ضيعة وبستانا وهم من يقرر مكان الشعب التونسي”. وقد واصل الرئيس منذ توليه رئاسة البلاد وخاصة بعد 25 جويلية التأكيد على أننا نخوض حرب تحرير وطني على مختلف الجبهات بما في ذلك جبهة الدفاع على حقوق المرأة بما يعني أنّ تحرر المرأة لا ينفصل عن حرب التحرير الوطني التي نخوضها وأن أي تدخل أجنبي في شؤونها مرفوض.