
بقلم د. بدر السماوي – الشروق : نافذة على الوطن – 19 مارس 2022
قد يتبادر إلى الذهن أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية واستفحال ظاهرة الاحتكار خلال الأشهر الأخيرة والحملات التي شرعت فيها السلطة ضد المضاربين، ظاهرة خاصة بتونس في علاقة بالصراع السياسي الناتج عن إجراءات 25 جويلية. لكن الحقيقة أن عدة أقطار عربية تعيش نفس الأوضاع. ففي الجارة الجزائر ارتفعت أسعار المواد الأساسية وخاصة القمح وزيت الطاولة والحليب مما جعل الحكومة تطلق حملة لمحاربة الاحتكار. وفي الجارة الأخرى ليبيا ترتفع بشكل غير مسبوق وبمعدل 35 بالمئة شهريا أسعار الغذاء مثل الأرز والسكر وزيت الطعام والدواء وأصبح بعض التجار يحتكرون السلع وسط غياب شبه كامل للسلطات المنشغلة بالصراعات السياسية. وشهدت عدة مدن مغربية الشهر الماضي احتجاجات ضد موجة غلاء الأسعار التي عرفت منحى تصاعديا كبيرا منذ إقرار القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة في عهد حكومة بن كيران. وفي موريتانيا فشلت الآلية الجديدة التي أحدثتها الحكومة لمراقبة الأسعار. وارتفعت في مصر الأسعار خلال الأشهر الأخيرة وخاصة أسعار الخبز بسبب تخزين بعض التجار الدقيق السياحي لاستخدامه خلال الفترة المقبلة. ويعاني السودان من غلاء كبير في المعيشة بعد إقرار السلطات رفع الدعم عن سلع أساسية بما في ذلك الحبوب مما دعا لجان المقاومة في ولاية الخرطوم إلى الإعلان عن تحركات خلال الشهر الحالي للتنديد بالضائقة المعيشية.
وشهدت أسعار الزيوت النباتية وبعض أنواع البقوليات والذرة في الأردن ارتفاعا مشابها. وارتفعت في العراق أسعار زيت المطبخ والحبوب مما أدى إلى خروج مظاهرات في بداية هذا الشهر في بعض المدن العراقية قبضت على إثرها السلطات العراقية على عشرات الأشخاص بتهمة رفع الأسعار والمضاربة. وفي لبنان أصبحت جميع مفاصل الحياة من الأساسيات إلى الكماليات تحت سلطة المحتكرين وتمكنت السلطات بقيادة الجيش اللبناني من العثور على كميات كبيرة من بضائع متحصلة على دعم من الدولة. وما زال المواطن في سورية يعاني من انعكاسات الحرب التي شنتها القوى الاستعمارية على بلاده وتطبيق قانون قيصر الظالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وسيطرة الجماعات الإرهابية على عدة نقاط حدودية. ويضاف إلى معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني لأرضه اكتواؤه بنار غلاء أسعار المواد الأساسية في الضفة الغربية وفي غزة المحاصرة. كما يرزح اليمن تحت عدوان عسكري وحصار بشع أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية هذا ان وُجدت السلع أصلا. وليس الوضع أفضل حالا في الأقطار التي لم يتم التعرض لها مثل بلدان الخليج لكنها تمكنت بفضل الثروة النفطية من التجكم نسبيا في أسعار المواد الأساسية.
إن الحملات الأمنية التي نتابعها هذه الأيام في بلادنا لمحاصرة الاحتكار والمضاربة من شأنها أن تساهم مؤقتا في توفير المواد الأساسية وأن تساعد على التحكم في أسعارها، ولكن علينا أن نتجه إلى السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي عبر الاهتمام بالقطاع الفلاحي وذلك بتوسيع مساحات الزراعات الكبرى وتوفير البذور الأصلية والأسمدة. كما يجب التوجه بصفة موازية نحو إقرار إجراءات للتشجيع على العمل في القطاع الفلاحي مثل الترفيع في الأجر الأدنى المضمون في القطاع الفلاحي وجعله أعلى من الأجر الأدنى المضمون لمختلف المهن ومراجعة أنظمة الضمان الاجتماعي في القطاع الفلاحي لتكون في مستوى بقية الأنظمة على أن تتكفل الدولة بهذه الفوارق على غرار الحوافز وآليات التكفل التي تقوم به على مدى عقود لفائدة القطاعات غير الفلاحية.
أما على المستوى العربي فإن اشتداد الصراعات الدولية وآخرها الحرب في أكرانيا من شأنها أن تفرض على الأقطار العربية الاعتماد على الطاقات الذاتية واستغلال الثروات الطبيعية الكبيرة المتوفرة من أراض خصبة ومياه عذبة على أن يتم بعث أسواق حرة حتى لا يُعتبر التبادل التجاري تهريبا. ورغم أن الإرادة السياسية متفاوتة اليوم بين قطر وآخر لتحقيق هذا الحُلم فإن الأمل يبقى قائما ما دامت الإنجازات الكبرى تبدأ عادة بحُلم.