بقلم الطاهر الهازل، مستشار بلدي، مدنين
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 28 جوان 2021
عندما تدخل مدينة مدنين يستقبلك نصب شامخ يجسد خريطة فلسطين مذكرا إياك بأن فلسطين كانت ولا زالت بوصلة شعبنا على مدى عقود قولا وفعلا. فقد قدم شعبنا منذ عام 1948 عديد الشهداء من أجل هذه القضية العادلة رغم كل محاولات إلهائه بشواغل أخرى أو تحريفه عن هذه البوصلة. لذلك فإن الوقوف اليوم إلى جانب فلسطين ودعم نضالات شعبها ونصرة مقاومتها الباسلة بعد دروس ملحمة سيف القدس يمر عبر العمل على تجريم التطبيع بكل أشكاله والقطع مع الإرهاب الذي تآمر على فلسطين ووضع يده في يد الصهيونية. ويمكن البداية بالمستوى المحلي كأن تقوم المجالس المحلية بمبادرات شعبية بسيطة تجعل القضية المركزية حاضرة في الأذهان على غرار النصب التذكاري المقام في حمام الشط والذي جسد تلاحم التونسيين والفلسطينيين الذين سقط منهم العشرات في لحظة واحدة على إثر العدوان الصهيوني الغاشم سنة 1985. ولا شك أن في كل مدينة وفي كل قرية بطل أو حادثة لها علاقة بفلسطين.
ويمثل التمثال المقام حاليا في بلدية مدنين والمجسد لخريطة فلسطين خطوة إيجابية في الاتجاه الذي أشرنا إليه خاصة وهو يقع في ساحة الشهداء الذين سقط أغلبهم خلال معارك التحرير الوطني ضد المستعمر الفرنسي وقضى آخرون منهم مجاهدين في فلسطين بعد أن آمنوا بأن مصير العرب من مصير فلسطين إن تحررت تحرروا. وهكذا كانت مدنين وفية لأبنائها ممن قدم روحه فداء لفلسطين ونذكر منهم الشهيد ميلود بن ناجح نومة أصيل سيدي بومخلوف وبطل عملية قبية بالطائرة الشراعية سنة 1987 التي هزت أركان العدو الصهيوني وكانت الشعلة التي فجرت انتفاضة الحجارة. ونذكر الشهيد رضا بولكلاكة أصيل مدنين الذي تطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية واستشهد على إثر غارة صهيونية على مخيم اليرموك في دمشق سنة 2003 مما يستدعي من المسؤولين الجهويين والمحليين في جهتنا تكريم هؤلاء الأبطال لأنهم جسدوا القناعات الراسخة في وجدان شعبنا وحسموا مع الصهيونية عبر أرقى أشكال التضحية وهي الاستشهاد. ومن الواجب أيضا حتى لا يكون الوقوف إلى جانب فلسطين نزوة ظرفية وحتى لا يتحول شعار” التطبيع خيانة عظمى” إلى مزايدة لفظية، القطع مع كل أشكال التطبيع مثل مواصلة استقبال الصهاينة في احتفالات ما يسمى الحج للغريبة التي تحرص السلطات الوطنية والجهوية والمحلية مع أغلب نواب الجهة في مجلس نواب الشعب كل سنة على حضورها والدعاية لها بدعوى تنشيط السياحة في تناقض صارخ مع إرادة شعبنا الرافضة لوجود هذا الكيان اللقيط فما بالك باستقبال مجرميه في بلادنا.
إن من واجب المسؤولين على المستوى المحلي والجهوي الاهتمام بالقضية الفلسطينية وإكرام شهداء أبناء جهتهم في فلسطين وبذلك يكونون أقرب إلى من انتخبهم والعكس صحيح فكلما اعتنوا بشواغل أبناء جهتهم وسعوا إلى الاستجابة لمطالبهم وتحسين ظروفهم المعاشية وتطوير البنية التحتية وتنمية الجهة والنهوض بها والحيلولة دون ترويج البضائع الصهيونية في أسواقنا فإنهم يخدمون القضية الفلسطينية بصورة حقيقية وينفذون وعودهم التي انتخبوا من أجلها طالما لا فصل ولا تمييز بين القضايا القومية والقضايا المحلية ولا فرق بين الشواغل السياسية والشواغل الاقتصادية والاجتماعية.
هكذا كانت فلسطين وستبقى في قلب مدنين وفي وجدان أبنائها جيلا بعد جيل.