في الذكرى 67 لعيد الجمهورية:السيادة الوطنية دعامة أساسية للجمهورية

بقلم د. بدر السماوي-الأمين العام لحركة النضال الوطنى -الشروق: 25 جويلية 2024

” تونس اليوم برات م التنكيدة”

قرر المجلس التأسيس يومها وكان يوم خميس تبني الجمهورية كنظام سياسي وتكليف الزعيم الحبيب بورقيبة بمهام رئاستها. وهكذا ألغت تونس حكم البايات الذين جلسوا على العرش لمدة قرنين ونصف إثر حدث حاسم لا يقل أهمية وهو الاستقلال الذي طوى 75 سنة من الاستعمار الفرنسي. ولم يكن إعلان الجمهورية قرارا فوقيا أو إجراء إداريا معزولا بل جاء استجابة لرغبة شعبية جامحة. فقد عمذت الفرحة يومها عموم الشعب فانطلق في العاصمة وفي كافة أرجاء البلاد هاتفا ” تحيا الجمهورية ” و ” يحيا بورقيبة”. ومن هول تأثير الحدث تم منذ اليوم الموالي في بعض المدن والقرى ترسيم عدة فتيات من المولودات الجدد باسم ” جمهورية” كما تولت المطربة صليحة أداء أغنية أُعدّت للغرض تحت عنوان ” تونس اليوم برات من التنكيدة” وفي ذلك أكثر من دليل. وانطلقت في تلك الظروف الحماسية معركة بناء الدولة الوطنية على أنقاض ما خلفه الاستعمار من تخلف وفقر وجهل فتم تأسيس عدة مؤسسات اقتصادية وطنية وإحداث الدينار كعملة وطنية وبعث البنك المركزي وبنوك عمومية مثل الشركة التونسية للبنك وإقرار مجانية التعليم وإجباريته وتركيز بنية تحتية صحية عمومية وبعث النواة الأولى لمنظومة الضمان الاجتماعي.

2013: الاستثناء

أصبح يوم 25 جويلية مع تتالي السنوات يوما وطنيا له رمزية كبيرة لدى الشعب التونسي بقطع النظر عن أنظمة الحكم التي تتالت عليه حتى كانت سنة 2013 عندما تلوث ذلك اليوم بجريمة نكراء وهي اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي الحاج محمد البراهمي على أيدي عصابات التكفير الملتحفة زورا بالإسلام والإسلام منها براء بعد بضعة أشهر فقط من اغتيال المناضل شكري بلعيد على أيدي نفس العصابات في ظل مناح سياسي اتسم بمعادة قيم الجمهورية بما حول اغتيال الشهيد البراهمي يومها من اغتيال شخص إلى اغتيال الجمهورية نفسها.

2021: إعادة الاعتبار

لكن الشعب الذي ناضل وقدم الشهداء من أجل الاستقلال سنة 1956 ومن أجل إقرار النظام الجمهوري سنة 1957 ثأر لنفسه سنة 2019 عندما انتخب بإجماع غير مسبوق الرئيس قيس سعيد الذي جعل عنوانا لحملته الانتخابية مبدا من مبادئ الجمهورية” الشعب يريد”. غير أن النظام السياسي المتعفن الذي كان سائدا آنذاك والصلاحيات المحدودة لرئاسة الجمهورية بحكم دستور 2014 أعاق الرئيس على إعادة الاعتبار لقيم الجمهورية فكانت صرخة مدوية أطلقها الشعب يوم 25 جويلية 2021 فاستجاب له الرئيس بتفعيل الفصل 80 من الدستور وحل المجلس النيابي وإقالة الحكومة والدعوة إلى نظام سياسي جمهوري بأتم معني الكلمة على أنقاض نظام هجين لا علاقة له بالجمهورية. ثم واصل الرئيس تكريس قيم الجمهورية بدعوة الشعب إلى الاستفتاء على دستور جديد يوم 25 جويلية سنة 2022 وهو الدستور الذي ورد في توطئته أنه تكريس لجمهورية تونسية جديدة ونصّ في فصله الثاني على أنّ نظام الدولة التونسية هو النظام الجمهوري.

السيادة الوطنية والجمهوربة

مثّل التمسك بالسيادة الوطنية العنوان الأبرز في المشهد السياسي خلال السنوات الثلاث الماضية من ذلك تأكيد الرئيس قيس سعيد أكثر من مرة بأن تونس دولة حرة ذات سيادة رافضا رفضا قطعيا التدخل في شؤونها الداخلية. وقال في مناسبة أخرى ” لا صوت يعلو في بلادنا على صوت الشعب والدولة التونسية تتساوى في السيادة مع كل الدول مثلما تنص على ذلك مبادئ القانون الدولي. ولم ينفك الرئيس قيس سعيد يربط بين الدفاع على السيادة الوطنية ومكافحة الفساد تطهير البلاد ليس مجرد شعار بل حرب مستمرة دون هوادة ودون هدنة منتهيا إلى أننا نخوض حرب تحرير وطني على جبهات متعددة معتبرا أنّ من يتخاذل في التصدي للفساد أو يتواطأ مع الفاسدين لا فرق بينه وبين الشريك في الجريمة بل أكثر من ذلك هو خائن وعميل كمن هو على جبهة القتال ويلتحق بصفوف العدو. ودعا من ناحية أخرى وفي إطار صون قيم الجمهورية إلى التصدي للتمويل الأجنبي للجمعيات مثلما وقف في وجه مؤامرة توطين المهاجرين جنوب الصحراء رافضا أن تكون تونس حارسا للبلدان الأوروبية. ومن بين المواقف المشرفة الأخرى التي عبر عنها في الدفاع عن الجمهورية ورموزها استنكاره لما تعرض له العلم التونسي من إهانة خلال تظاهرة رياضية واصفا ذلك بالجريمة في حق الشعب التونسي.

الجمهورية وفلسطين

حيث أنّ الدفاع على قيم الجمهورية لا يمكن التعامل معه بانتقائية اعتبر الرئيس قيس سعيد أن الدفاع على الحق الفلسطيني امتداد للدفاع على السيادة الوطنية في تونس مناديا بتحرير فلسطين كل فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وقد كانت ملحمة طوفان الأقصى التي انطلقت في أكتوبر 2023 مناسبة أخرى تأكّد فيها مسار 25 جويلية الثابت من القضية الفلسطينية فاستقبلت تونس عديد المصابين من غزة لمداواتهم وأذن الرئيس بتوجيه مساعدات إلى إخوتنا في غزة وآخر هذه المساعدات باخرة انطلقت بداية هذا الأسبوع محملة بكمية من المواد الغذائية والتجهيزات الطبية والأدوية.

إنه من حقنا اليوم الافتخار بعيد الجمهورية ومن واجبنا توعية أبنائنا بمعانيه النبيلة خاصة ونحن على أبواب انتخابات رئاسية تعتبر من أهم أسس النظام الجمهوري بما يدعو إلى الإقبال على المشاركة فيها بكثافة.

في الذكرى 67 لعيد الجمهورية:السيادة الوطنية دعامة أساسية للجمهورية
أنشره