في ذكرى الفقيد العربي عزّوز المفكّر والمناضل السّياسي

احتضنت دار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة السبت 18 ديسمبر 2021 إحياء ذكرى وفاة المناضل العربي عزوز بحضور جمع غفير من عائلته ورفاقه وأصدقائه تداول فيها على الكلمة خليل الرقيق منسق التظاهرة وصلاح الحمادي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين والسيدة مريم عزوز نجلة الفقيد وثلة من رفاقه الذين قدّموا العربي عزوز الإنسان والمناضل والمفكر مع الاستماع إلى الشاعر محفوظ الجراحي. كما قدم الد. زهير الذوّادي قراءة في كتب العربي مبرزا تميّزه في الجمع بين صِفتَي المثـقّـف والمناضل السياسي واستعرض رضا السبوعي ويوسف الخميري وبديع السعدي وصلاح الدين عمامي خصال العربي وعرّف أحمد الكحلاوي والمنجي مقني بأهم محطات مسيرة الفقيد النضالية. وقد تم بالمناسبة عرض نماذج من النشريات والدراسات التي ساهم فيها الفقيد ووقع إصدار كتاب تحت عنوان ”سطر لم ينتهي“ سجّل آخر تدويناته على صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي.

    العربي عزوز أحد أبرز رواد الطرح الوطني الديمقراطي

بدأت مسيرة العربي النضالية في ستينيات القرن الماضي في صلب الشبيبة المدرسية وفي الاتحاد العام لطلبة تونس. ثم انتقل سنة 1969 لمواصلة دراسته الجامعية في باريس التي خرجت لتوِّها من أحداث ماي 1968 وما صاحبها من مجريات الثورة الثقافية في الصين ووجود مجموعة من المثـقـّـفـيـن التونسيين الذين تعرّفوا على المفهوم الجديد لمسألة الثورة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة فظهر الطرح الوطني الديمقراطي وكان العربي من بينهم إلى جانب خالد الفالح الذي وقع بالمناسبة توجيه التحية له. وأسّس العربي وثلّة من رفاقه سنة 1971 “الحلقات الماركسية اللينينية التونسية” بتزامن مع ظهور “التجمع الماركسي اللينيني التونسي”. وسرعان ما اندمج التنظيمان، “التجمع الماركسي اللينيني التونسي” و”الحلقات الماركسية اللينينية التونسية”، وتوحّدا على أساس الطرح الجديد لتكوين “الشعلة” أواخر سنة 1973.

      قرار العودة للوطن

وفي منتصف سنة 1975 قرّر العربي الدخول للوطن بعد الضربة التي تلقتها التجربة الأولى من جوان 1972 إلى موفّى 1973 ومحاكمة مناضليها في أوت 1974 وسجنهم. وامتدّت هذه التجربة إلى منتصف سنة 1980، خمس سنوات عاش فيها العربي العمل السرّي وعرف الملاحقة والاختفاء والإيقاف والسجن والمحاكمة.

لقد كان للعربي الدور الأبرز في بلورة الخط وتخصيصه على الواقع من خلال كتابات عديدة شملت الجوانب الفكرية والسياسية والبحوث والتحقيقات أثــْـرت الحياة الداخلية للتنظيم الناشئ وعزّزت صفوفه ووطـّـدت وحدته. فضلا عن أعداد “الشعلة” التي كان شعارها المركزي “نشر الماركسية اللينينية وبلورة الوعي الوطني الديمقراطي“.

     العربي وتكتيك العمل النقابي

من أهمّ مساهمات العربي بلورته لتكتيك العمل النقابي بعد أحداث 26 جانفي 1978 وضرب الاتحاد العام التونسي للشغل وتنصيب نقابة التيجاني عبيد محلّه، حيث دعا إلى التمسّك بالشرعية ورفض النقابة المُنصّبة ومقاطعتها وتكوين لجنة مبادرة وطنية تُشرف على إعادة بناء الهياكل النقابية الشرعية المضروبة وإعادة إصدار “الشعب” لسان حال الاتحاد بصورة سرّية. وقد أنقذ هذا التكتيك الاتحاد من أحد أخطر المؤامرات على وجوده وحافظ على مكسب من أهمّ المكاسب الوطنية وفَسَح المجال للشباب للانصهار في صفوف العمال والشغالين.

ونجح هذا التكتيك لتطابقه مع متطلّبات واقع تلك الفترة وهو نتيجة مجهود بذله العربي في تحليل وتمحيص وضع ما بعد 26 جانفي بالإحاطة بكل جوانبه بمنهجيّة علميّة قلّ نظيرها.

ففي حين نظـّر غيره للرضوخ للأمر الواقع والقبول بالنقابة المُنصّبة وإجهاض حركة المقاطعة باسم المبادئ العامة، ارتبط العربي أشدّ الارتباط بمعطيات الواقع مُسترشدًا بمبادئه بعيدًا عن الركون للوصفات الجاهزة. إنّ هذه الروح حريّ بكلّ مناضل ثوري أن يتعلّمها منه، وأن يعمل بنصيحته التي أوردها في إحدى آخر تدويناته: “خذ معلوماتك من الميدان واتخذ قراراتك على أساس المعطيات الميدانية وطبّق التحليل المادي الجدلي وليس النسخ الدغمائي للتجارب“ السابقة”.

الثبات على نفس الدرب

سار العربي طيلة حياته على نفس الدرب حتى آخر لحظة في حياته فكرّس كتاباته أثناء عشرية 2011 – 2020 لدحض الإخوان والإرهاب التكفيري ووقف في صف الوطنيين في سوريا وليبيا والعراق وأشاد بصمود رموز أنظمتها الوطنية. وما حديث البعض عن تجربة العربي مع الحزب الدستوري نهاية الثمانينات وتعرّضه للانتقادات والتهجّمات بشأنها إلاّ تعصّبا منهم لاختلاف في المواقف وجهل بطبيعة العربي المعروف بجرأته في ممارسة قناعاته حتى إن كان وحده.

وقد شهد رفاقه الذين عايشوه فترة السجن رفضه مساومة  جهاز أمن الدولة له فهو المناضل الذي لا يُغريه الموقع ولا يسعى إليه وهو دائم الدعوة للانصهار في صُلب الشعب. وكان دائم البحث على الوحدة ونقد النزعة الانشقاقية وحريصا على تقييم التجربة وعلى استمرارها. لذلك كان محبوبا من رفاقه لروحه الرفاقية ولطيبته.. إنّه مناضل فذ يشهد له بذلك كل من عرفه عن قُرب ويُنكره عليه من حكم عليه بسطحيّة وذاتيّة.

رحل عنّا العربي تاركا ألما في قلوب عائلته ورفاقه عبّرت عنه مداخلة ابنته مريم المفعمة بالمحبّة للأب والرفيق والصديق الذي ستبقى ذكراه حيّة في قلوب وعقول كلّ رفاقه وكلّ مناضل وطني شريف.

في ذكرى الفقيد العربي عزّوز المفكّر والمناضل السّياسي
أنشره