قبلي: الاتحاد الجهوي يحيي أربعينية الفقيد فيصل بن عون

جريدة الشعب – 19 ماي 2022

احتضنت دار الاتحاد الجهوي للشغل بقلبي يوم 15 ماي 2022 تظاهرة بمناسبة أربعينية الفقيد فيصل بن عون أصيل قرية تنبيب الذي قضى 23 سنة في صوف المقاومة الفلسطينية. وشارك في تنظيم التظاهرة إلى جانب الاتحاد حركة النضال الوطني التي ينتمي لها الفقيد وفرع الرابطة التونسية لحقوق الانسان بقبلي والرابطة التونسية للتسامح وجمعية توريس ونادي الشطرنج بتنبيب. وقد حوّل إحياء التظاهرة الذي تزامن مع ذكرى اغتصاب فلسطين، أجواء “نكبة 48” إلى صرخة مدوّية من أعماق تونس ومن أبناء الزعيم الشهيد فرحات حشاد تعلن بكل إصرار بأن القضية الفلسطينية حيّة وستظل البوصلة وأن كوكبة الشهداء ومن بينهم القائد الفذ فيصل بن عون (أبو النار) مشاعل نور على درب تحرير فلسطين.

دار الاتحاد دار فلسطين

افتتح التظاهرة الأخ علي بوبكر الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بقبلي مرحبا بالحضور وخاصة بعائلات الشهداء وفي مقدمتهم عائلة الفقيد فيصل بن عون مشيدا بهذه القافلة العظيمة من المناضلين ومؤكدا أن دار الاتحاد هي دار فلسطين. واستعرض بمناسبة تزامن التظاهرة مع تاريخ نكبة فلسكين سنة 1948 عمليات التهجير الفظيع التي شملت الفلسطينيين ومواجهتهم لاغتصاب أرضهم مما أدى إلى سقوط 15 ألف شهيد مؤكدا على أن قضية فلسطين قضية عادلة وأن حق العودة لا يسقط بالتقادم وأننا جزء من أمة عربية ماجدة صامدة.

وأضاف الأخ علي بوبكر: لقد كان لفيصل بن عون ابن قبلي بوصلة واحدة هي بوصلة فلسطين وكان له هدف واحد وهو إبادة من أباد الشعب الفلسطيني مستخلصا العبرة من أن أهم درس نتعلمه من نضال فيصل أننا في تونس وفي الاتحاد العام التونسي للشغل لا نقبل بأن يدنس الصهاينة هذه الأرض بدعوى زيارة الوهم/، لذلك نقولها اليوم مثلما قلنا بالأمس وسنظل نقولها غدا عاليا ” لا للتطبيع، نعم لتجريم التطبيع.” وختم الأخ الكاتب العام قائلا: بالأمس اغتالوا شيرين أبو عاقلة صوت فلسطين الذي كان ينقل لنا ما يحدث هناك، قتلوها لأنها صوت الحق، إنهم جبناء ولن يجديهم تشييد ألف قبة حديدية فقمعهم إلى زوال.

فيصل بن عون كان قدوة

وجه الأمين العام لحركة النضال الوطني السيد منجي مقني التحية لعائلات الشهداء ولرفاق فيصل وأصدقائه وللاتحاد الجهوي للشغل بڨبلي مهنئا الكاتب العام للاتحاد الجهوي الأخ علي بوبكر بإعادة انتخابه على رأس الاتحاد الجهوي. واستعرض مقني مسيرة المناضل فيصل سواء في تونس حيث بدا نشاطه السياسي ضمن الحركة التي كانت تنشط يومها في إطار السرية والتي دافعت بعد أحداث 26 جانفي 1978 على الاتحاد العام التونسي للشغل وواجهت القيادة المنصبة وأصدرت جريدة الشعب السرية. ثم التحق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1989. وقال أن فيصل يتصف بصفات الشجاعة والصبر وقد آمن أن تحرير فلسطين يمر عبر البندقية وكان يؤمن بالفعل أكثر من القول فتوجه إلى ساحة المعركة وتدرب على السلاح وتدرج في أعلى المراتب العسكرية وقاد عمليات بارزة مثل عمليتي العيشية والطيبة. وكان في طليعة التصدي للهجوم الصهيوني الغادر على موقع الناعمة التابع للجبهة والمحفور في الصخور والجبال والذي أراد العدو اقتحامه بفرقة من جيش النخبة مع الكلاب المفخخة المدربة، لكنه اصطدم بمقاتلين أشاوس كان في مقدمتهم فيصل، كانوا مثال اليقظة والجهوزية والتحصين ففشلت عملية العدو وتحولت إلى هزيمة نكراء وقُتلت كلابهم وقُتل الكلب الأكبر قائد العملية، مما مثل رافعة لمعنويات المقاومة وهزّة لجيش الاحتلال. وأشار إلى أهمية ما قام به فيصل ورفاقه من تونس في رفع معنويات المقاومين الفلسطينيين عاليا لأنهم تأكدوا أن فلسطين ليست بمفردها بل هي في قلب وممارسة الشعب العربي.

اجماع على تجريم التطبيع

دعا ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إلى أن تكون ذكرى وفاة فيصل مناسبة سنوية لتكريم الشهداء من أجل فلسطين مقترحا توفير مورد رزق لعائلة الفقيد. وأشاد ممثل الرابطة التونسية للتسامح بدور محور المقاومة وفي مقدمته سورية ولبنان وإيران في دعم المقاومة الفلسطينية. وقال ممثل نادي الشطرنج بتنبيب الذي اسسه الفقيد فيصل بأهمية تأطير الجيل الجديد بمثل هذه الأنشطة لتنمية مهاراته الذهنية بصفتها أساسا للروح الوطنية. وأجمع كافة المتدخلين على ضرورة النضال من أجل تجريم التطبيع وفاء للشهداء الذين رووا بدمائهم أرض فلسطين ومن بينهم الفقيد الشهيد فيصل بن عون. كما طالبوا بالعناية بعائلة الفقيد ماديا ببعث مشروع لابنه أو بتبنيه من قبل الدولة في إطار مؤسسة فداء المحدثة مؤخرا.

من هو فيصل بن عون؟

ولد فيصل بن حسن عون سنة 1963 في قرية تنبيب بولاية ڨبلي، من عائلة وطنية عريقة، شارك والده وعمه في المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي بتونس فتشبع هو وإخوته بالروح الوطنية العالية وتربى على حب الأرض وفلسطين. فكان يلتهم الكتب التهاما ليوسع دائرة ثقافته وليتعرف على أكبر مظلمة شهدها التاريخ وهي مأساة اغتصاب فلسطين. لم يكن فيصل ذلك المثقف المنعزل بل كان مثالا في ربط الأقوال بالأفعال والاندفاع في مقدمة أي تحرك نضالي، مثل انتفاضة الخبز في 1984. وسرعان ما عمل على تحويل حبه لفلسطين وإيمانه بواجب تحريرها إلى ممارسة فقرر التطوع في صفوف مقاومتها.

حاول في مرة أولى التحول إلى الجزائر للانخراط في المقاومة الفلسطينية ولكن تمت إعادته من الحدود ثم حاول ثانية عام 1989 عن طريق ليبيا ثم سوريا حيث فُتح له الطريق وثلة من رفاقه للانضمام إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، فتدربوا في صفوفها وقدموا النفيس والغالي من أجل فلسطين. قدمت ثلة منهم أرواحهم فداء لفلسطين في عمليات بطولية خالدة. ولئن عُرفت أسماء هؤلاء الشهداء الأبطال فقد بقي اسم فيصل بن عون طي الكتمان لأن فلسطين الذي عشقها وتنسم هواءها وتلمّس ترابها، بادلته المحبة بالمحبة وحمته من عدوه في أعتى العمليات والاقتحامات، فكان يخرج كطائر العنقاء من تحت الرماد ليواصل المشوار. ففي إحدى المعارك غاب عدة أيام حتى ظن رفاقه أنه استشهد وأقاموا له خيمتي عزاء لكنه خرج لهم بعد 12 يوما سالما يجرّ معه أسيرا صهيونيا، فقد تمكن من التخفي، رغم المطاردة الصهيونية الشرسة. وكان فيصل مضرب الأمثال في الانضباط والاستقامة والشجاعة والإقدام والإبداع والمبادرة مما بوّأه مكانة عالية في صفوف القتال. فقاد العمليات ودرّب طوابير من الفدائيين. عاد من إحدى المعارك برجل مصابة، مهشمة، أدهشت الأطباء إرادته بالمشي والتحمل حتى الوصول إلى معسكره عاد الفقيد فيصل إلى تونس بعد 23 سنة قضّاها في المعارك وتحت القصف وفي نصب الكمائن ليوشّح جسمه بأوسمة الجراح والإصابات. عاد فيصل إلى تونس وأبى أن يُفاخِر ببطولاته وأمجاده فرفض أكثر من مرة تكريمه. كان متواضعا وعاد إلى العمل بكد يمينه ليكون نموذج الأب الكادح المحب لعائلته وأبنائه وأسهم في بعث ناد للشطرنج في تنبيب ليبعد به الشباب عن مخاطر الانحراف ويربي فيه ملكة الصبر والتفكير والذكاء.

توفي فيصل يوم 17 مارس 2022 بقرية تنبيب ودفن بها فرحمة الله عليه وعلى كافة شهداء تونس من أجل فلسطين.

هوامش من التظاهرة

* توشّحت دار الاتحاد الجهوي بأعلام تونس وفلسطين والاتحاد وتزينت بصور الشهيد حشاد والشهداء التونسيين في فلسطين، تتصدّرهم صورة الفقيد فيصل بن حسن بن عون

* تم تعليق معرض يروي قصة فلسطين من سايكس بيكو إلى شيرين أبو عاقلة وقافلة الشهداء الذين رووا أرض فلسطين بدمائهم وعرض شريط حول مسيرة الفقيد

* افتتحت التظاهرة بتلاوة فاتحة الكتاب ترحما على روح الفقيد فيصل بن عون وترديد النشيد الوطني التونسي والنشيد الوطني الفلسطيني ونشيد الاتحاد

* تخللت التظاهرة كلمة مسجلة للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة من دمشق أشاد فيها بالفقيد وبكافة شهداء تونس من أجل فلسطين وكلمة أخرى لأحد مناضلي الجبهة من رفاق الفقيد *توجه الحاضرون إثر انتهاء التظاهرة إلى مقبرة تنبيب حيث تلوا فاتحة الكتاب على روح فيصل وترحموا عليه

* تم التعريف بكتاب ” الاتحاد العام التونسي للشغل وقضية فلسطين 1946-2020 خمس وسبعون سنة في خدمة فلسطين” وهو من منشورات الاتحاد العام التونسي للشغل ألفه الباحث د. بدر السماوي

قبلي: الاتحاد الجهوي يحيي أربعينية الفقيد فيصل بن عون
أنشره