قناة بن غوريون:الأكذوبة المتجددة لبني صهيون

بقلم د. بدر السماوي -جريدة الشعب : 2 نوفمبر 2023

كثر الحديث هذه الأيام على إمكانية عودة الكيان الصهيوني إلى مشروع حفر قناة تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر تحمل اسم ” قناة بن غوريون” بهدف منافسة قناة السويس والتضييق على مصر اقتصاديا. وقد يعود تصديق هذه الرواية إلى مجرد جهل بالموضوع وتاريخه وقد يكون بدافع الغيرة على مصالح الأمة العربية وثرواتها وواجب التصدي لمخططات الصهيونية خاصة بعد انطلاق ملحمة طوفان الأقصى.
مخطط قديم
ارتبط المخطط باسم دايفيد بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني عام 1948 ومتزعم اغتصاب أرض فلسطين الذي بقي يحلم منذ ذلك العام بهذا المشروع الذي لو كان قابلا للتطبيق لأنجز منذ 70 سنة بل لأنجز في أواسط القرن 19 في عهد “ديلسبس” الذي درس احتمال حفر قناة السويس واستحالة حفر قناة من إيلات إلى البحر المتوسط .وظل هذا المشروع يطل ويختفي في تلك الفترة لأهداف سياسية ودعائية ومعنوية .
ولما أمّم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس سنة 1956 عاد المشروع للظهور فأعلن الصهاينة أنّ الحل الوحيد لضرب قناة السويس هو حفر قناة مماثلة داخل أراضي فلسطين المحتلة ثم خفتت الحملة بعد بضعة أسابيع. وإثر حرب 1967 وإغلاق القناة عادت عوارض أوجاع مخاض قناة بن غوريون للظهور وسط تهويل وتهويش عن ضرورة الشروع في الحفر ثم ما لبث أن طوي المشروع من جديد . وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتولي الولايات المتحدة قيادة العالم بالغطرسة والعدوان والاحتلال خمد الموضوع ما دام ” الوضع تحت السيطرة” . وفي سنة 2021 وبعد جنوح الناقلة الضخمة “ايڨرڨيڨن” وتعطل الملاحة في قناة السويس لمدة أسبوع طفت على السطح من جديد معزوفة قناة بن غوريون بل إنّ بعض وسائل الإعلام أعلنت عن الشروع في الحفر أصلا ثم هدأت مرة أخرى الزوبعة .
خدعةٌ متجدّدة
ها أن الفزاعة تعود اليوم من جديد إثر العدوان على غزة ومحاولة الكيان الصهيوني تهجير سكانها والسعي بكل الطرق إلى إنهاء القضية الفلسطينية مستعملا نفس العبارات ونفس الأكاذيب من حديث عن دراسات منتهية وعن بدء الحفر وعن وعن… إلا أن الواقع بعيد جدا عن ذلك . فهل أن الهدف تخويف مصر من تقليم دور قناة السويس لتقبل بتهجير أهل غزة وتوطينهم في سيناء ؟ وهل أن النظام المصري مغفّل حتى تنطلي عليه هذه الأكاذيب ؟ أم أنّ الهدف تجييش الشارع المصري في وجه مخططات العدو الصهيوني والحال أنّه معبّأ ضد العدو الصهيوني ومجيّش بطبيعته؟
قد يكون بعض السياسيين انساقوا في التهويل من المشروع وفي جعله فزّاعة وانجرّ وراءهم البعض لكن ما هو مؤكد أنّ الموضوع سيعود إلى الرفوف بمجرد أن تحطّ معركة طوفان الأقصى أوزارها علما بأن فريق تحقيق استقصائي تعهد بالبحث في الخبر الذي تم تداوله والذي جاء فيه أن العدو الصهيوني يعلن البدء بحفر قناة بن غوريون فتوصل إلى غياب هذا الخبر عن وسائل الإعلام الصهيونية فضلا على أن عملا ضخما بهذا الحجم لا يمكن أن يمرّ في كتمان .
صعوبات فنية
يفيد بعض الخبراء أن المشروع مستحيل عمليا من الناحية الفنية خاصة عند الادعاء ببناء قناتين الأولى للذهاب والثانية للإياب لربح الوقت. ذلك أن هذه الفرضية تجعل العِرض الجملي للقناة يمتدّ على 200 متر وبعمق 100 متر في مسلك طوله 259 كلم أي بزيادة 66 كلم عن طول قناة السويس. ومن المفترض أن ينطلق هذا المسلك من محيط إيلات في أرض ترتفع 100 متر عن سطح البحر ليمرّ عبر طريق توجد بها مناطق منخفضة عن سطح البحر وأخرى بارتفاع 380 مترا عنه وثالثة صخرية بارتفاع 900 متر عن سطح البحر مما يستوجب ما يعادل 520 قنبلة نووية وعدة سنوات لإزاحة الصخور والأتربة من مجرى القناة المفترضة . هذا فضلا عن بناء الجنبات أي الجدران المحاذية للقناة ونقاط المراقبة والتوجيه والإنقاذ مما يجعل التكلفة خيالية ترتفع إلى مئات مليارات الدولارات مقابل مدخول سنوي يعادل 5 مليار دولار .
لا بديل عن قناة السويس
يحق التساؤل إذن عن رجل الأعمال الأهبل الذي سيغامر بإنجاز هذا المشروع بمثل هذه الصعوبات الفنية وبهذه الكلفة المالية علما بأن حفر قناة السويس استغرق من عام 1859 إلى عام 1869 أي مدة عشر 10 سنوات وساهم في حفره مليون عامل توفي 120 ألف منهم بسبب اشتغالهم في ظروف شاقة وإصابتهم بالعديد من الأمراض وتعرضهم للشمس الحارقة . هذا من الناحية الفنية أما من الناحية السياسية فإن المشروع يقع فوق أرض محتلة تزداد مقاومة شعبها شدة يوما بعد يوم لتميد الأرض تحت أقدام الغاصبين . فمن يقبل الانطلاق في مشروع تحت قصف الصواريخ ؟ وهل تصمت المقاومة أمام أية خطوة لتنفيذ حُلم بن غوريون الزائف ؟ فيا حبذا لو تتركز الجهود ليس على محاربة مخططات وهمية بل على التصدي للعدوان والقتل وفرض وقف إطلاق النار وكشف المجرمين الأمريكان والغربيين وفتح المعابر مع غزة بصورة كاملة .

قناة بن غوريون:الأكذوبة المتجددة لبني صهيون
أنشره