شنّت القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية بداية من يوم الجمعة الماضي عدوانا غاشما على ليبيا مستفيدة من قرار اتخذته الجامعة العربية دون إجماع أعضائها، طالب ما يُسمّى “المجتمع الدولي” (أمريكا وفرنسا وبريطانيا هذه المرة) بفرض حظر جوي على ليبيا.
ويأتي العدوان بزعم “حماية المدنيين” وكان من أوّل ضحايا هذا التدخل العسكري الاستعماري “المدنيين” إضافة للعسكريين الليبيين بعد غارات بأكثر من 120 صاروخ “توماهوك” الأمريكية شديد الدمار.
أمّا الأهداف الحقيقية للعدوان الإمبريالي المتواصل على ليبيا فإنّها تتمثل في ضرب القلعة الوطنية في ليبيا التي بادرت إلى تصفية القواعد البريطانية والإيطالية والأمريكية بُعيد قيام هذه السلطة سنة 1969 كما قامت بتأميم النفط وبناء صرح وطني في العديد من المستويات، لعلّ أبرزها النهر الصناعي العظيم.
فقد مثلت ليبيا عمقا استراتيجيا لدول المواجهة للكيان الصهيوني، فامتنعت عن الاعتراف بالكيان الصهيوني وكانت ضمن من خاضوا حرب أكتوبر 1973 ضد الاحتلال الصهيوني ودعّمت مصر بالمال والعتاد ودعّمت الفصائل الفلسطينية المجاهدة بكل الأشكال، كما رفضت العدوان الإمبريالي على العراق والعدوان الصهيوني على لبنان وغزة.
وسارت ليبيا صادقة على خُطى عبد الناصر في السعي لتحقيق الوحدة العربية، فكانت تجربة إعلان الوحدة الاندماجية مع تونس في 12/1/1974 أمضى عليها بورقيبة آنذاك وأسقطها “فيتو” أمريكي فرنسي لا يريد الخير لهذه الأمة كما هو دائما. وعاشت تونس وليبيا في السنوات الأخيرة تجربة وحدوية متدرّجة وفريدة تشابكت فيها مصالح الشعب الواحد في تونس وليبيا عبر المشاريع الاقتصادية المشتركة والتبادل التجاري والخدمات الاجتماعية والسياحة وتبادل العُملتين بما عاد بالفائدة على الشعب في البلدين، وكذلك مع مصر. كما أقامت السلطة في ليبيا شبكة من العلاقات مع الدول الإفريقية وسيّرت قوافل الدعوة الإسلامية إليها لمواجهة حملات التنصير المسلّطة على إفريقيا.
لقد مثلت هذه الإنجازات تحد للأعداء فقامت الإمبريالية الأمريكية بعدوان على ليبيا سنة 1986، سقط فيه عشرات القتلى من أهلنا في ليبيا من الأطفال والنساء والرجال تلاه حصار فُرض عليها لمدة سنوات.
وجاء العدوان الحالي ليستكمل الخطة. فهو يهدف هذه المرة إلى السيطرة على ليبيا مُقسّمة كما كانت في عهد الملك السنوسي قبل سنة 1969 ونشر القواعد العسكرية فيها والسيطرة على مواردها وثرواتها النفطية وتكريس أكبر لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه وحرمان مصر ودول المواجهة من عمق استراتيجي في مواجهة الصهاينة، وكذلك حرمان إفريقيا من خط مواجهة للاستعمار وتصد له.
نحن حيال هجوم إمبريالي قصد ضرب القلاع الوطنية والإطاحة بها وتقسيم الوطن العربي وبث الفوضى في أرجائه والتحكم في مواقعه الإستراتيجية وثرواته النفطية ومحاولة تركيع الأمة وتأزيم أوضاع أقطارها، ممّا يُمثل دعما مباشرا للكيان الصهيوني في أيّة حرب مقبلة يشنّها على العرب.
ويأتي هذا الهجوم الوحشي على ليبيا بعد غزو العراق وضرب صرحه الوطني، كما يأتي بعد تقسيم السودان واقتطاع جزء من جنوبه.
إنّ الجماهير العربية في ليبيا ستتوحّد اليوم وبدون أيّ شك في مواجهة أعدائها من إمبرياليين وصهاينة وستسير على درب شيخ المجاهدين عمر المختار ليلقى الغزاة الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين المصير نفسه الذي لقاه المستعمرون الإيطاليون على أرضها الطاهرة. ومثلما كان شعبنا في تونس إلى جانب أشقائه الليبيين في التصدي للاستعمار الإيطالي لليبيا سيجد أهلنا في ليبيا أشقاءهم في تونس اليوم إلى جانبهم في مواجهة عدوان الحلف الأطلسي.
إنّ صمود جماهير الشعب والقوات المسلحة في ليبيا وإصرارها على المواجهة سيدفع الجماهير العربية والإسلامية والجماهير في مختلف أصقاع العالم إلى احتضان هذا الصمود ودعمه بصفة متصاعدة بكل الأشكال. ودعوتنا لأيّ طرف في ليبيا دعا إلى التدخل الأجنبي مهما كان شكل هذا التدخل، أو فكّر أو يُفكّر في الاستنجاد بالقوى الأجنبية المُعادية للأمّة.. دعوتنا له أن يضع مصلحة بلده وأمّته فوق كل اعتبار وأن ينحاز إلى صفوف شعبه ويتصدى للعدوان على أرضه ووطنه وشعبه.
عاش صمود شعبنا العربي في ليبيا في مواجهة هذا العدوان.
لنطالب الحكومات العربية وخاصة في تونس والجزائر ومصر لدعم ليبيا في مواجهتها للعدوان.
لنعبّر عن رفضنا لمطالب استعمال أرض تونس وأجوائها في العدوان على ليبيا جوا أو برا أو بحرا.
لنُشيد بمواقف الدول الرافضة للتدخل الأجنبي والحصار الجوي ونخص بالذكر دولا عربية وعلى رأسها سوريا، والمقاومة العراقية الباسلة.
ومثلما اندحر الاستعمار الإيطالي في ليبيا نتيجة المواجهة البطولية لشعبنا هناك سيندحر الأعداء هذه المرة.
تونس في 23/3/2011