لا يلدغ الشعب من ” 18 أكتوبر” مرتين

يشير تاريخ 18 أكتوبر إلى” هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” التي تكونت سنة 2005 قبيل شهر من انعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات بتونس للاحتجاج على نظام بن علي ومطالبة الرأي العام العالمي بالتدخل لفرض الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. واختار أعضاء الهيئة التعبير على موقفهم بشن إضراب جوع شارك فيه أحمد نجيب الشابي الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي وحمة الهمامي الناطق الرسمي لحزب العمال الشيوعي التونسي وعبد الرؤوف العيادي نائب رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية وسمير ديلو عن حركة النهضة ولطفي الحاجي مراسل قناة الجزيرة والمحامي العياشي الهمامي وشخصيات أخرى.

وقد انعقدت القمة العالمية في ظروف عربية متقلبة إثر احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني ومحاصرة أنظمة عربية أخرى بهدف فك العزلة على الكيان الصهيوني. واندرج تنظيمها في إطار شروع القوى الاستعمارية في تنفيد عدوان جديد على الأقطار العربية يستبدل التدخل العسكري بالأسلوب الناعم مما أفرز بعد خمس سنوات ما سمي بالربيع العربي وما تبعه من تدمير بعض الأقطار وبث الفتنة فيها ونشر الإرهاب وانتهاك السيادة الوطنية وإيصال التنظيمات الإخوانية إلى السلطة.

ولعل أخطر ما تميز به تحرك هيئة 18 أكتوبر اللجوء إلى الاستقواء بالأجنبي على حساب السيادة الوطنية فقد دعي للمشاركة في هذه القمة رئيس حكومة العدو الصهيوني أريال شارون دون أن يثير ذلك أي رد فعل من المضربين عن الطعام بل إنهم حظوا بزيارة مساندة من سفير بريطانيا بتونس مستنجدين بالدولة التي أعطى وزير خارجيتها بلفور ما لا يملك لمن لا يستحق وبزيارة أخرى من ممثل عن السفارة الأمريكية بتونس أي ممثل أكبر دولة استعمارية في هذا العصر . وفي المقابل نددت عدة أحزاب ومنظمات وطنية بدعوة شارون للمجيء إلى تونس وفي طليعتها الاتحاد العام التونسي للشغل ووقع شن إضراب عن العمل شاركت فيه عدة قطاعات وجهات مما أدى إلى العدول عن الدعوة. وهكذا أعلنت هذه الأصوات الحرة أن مناهضة نظام بن علي لا يمكن أن يكون مبررا للاستقواء بالأجنبي أو لغض الطرف عن التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وها أننا نشهد بعد 25 جويلية 2021 عودة تحالف 18 أكتوبر بنفس التركيبة السياسية والحزبية بل بنفس الوجوه ولجوئه مرة أخرى إلى الاستقواء بالقوى الأجنبية الاستعمارية. ويتزعم هذا التحالف حركة النهضة التي هرول قادتها في الداخل والخارج لطلب تدخل أمريكا التي يعرف العالم أجمع كيف احترمت حقوق الانسان في سجن أبو غريب. ووصل الأمر برئيس الجمهورية في عهد الترويكا إلى دعوة فرنسا للتدخل في تونس مجسدا بذلك أقذر صور التنكر لدماء شهداء تونس الذين سقطوا على يدي هذه الدولة بالذات. ووقفت في نفس الصف أطراف سياسية أخرى بمن فيها المنتمية إلى اليسار رغم محاولتها إظهار نوع من التباين مع بقية المكونات.

غير أن النسخة الجديدة من 18 أكتوبر لقيت مواجهة عنيفة من القوى الوطنية سواء منها المساندة لقرارات 25 جويلية وحتى المتحفظة معها وذلك من منطلق الدفاع على السيادة الوطنية. وقد كان رئيس الجمهورية أعلن في أكثر من مناسبة وبصوت عال عن رفضه أي ضغوط خارجية موجها أصابع الاتهام إلى أطراف سياسية داخلية ناعتا إياها بالخيانة. لذلك فإن الشعب الذي لدغ سنة 2011 بالمؤامرة التي أعدت لها القوى الاستعمارية وساهمت في طبخها هيئة 18 أكتوبر لن يلدغ مرة أخرى بعد حراك 25 جويلية والقرارات الرئاسية والتدابير الاستثنائية. وعسى أن يكون 18 أكتوبر2021 يوم دفن منظومة التآمر والخيانة وعودة السيادة للشعب مما يستوجب على القوى الوطنية الوعي بخصوصية المرحلة والالتفاف حول ما هو جوهري والدفاع عن الوطن وحمايته والترفع عن الأمور الجزئية.

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 15 أكتوبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

بقلم د. بدر السماوي

لا يلدغ الشعب من ” 18 أكتوبر” مرتين
أنشره
الموسومة على: