يتم في مثل هذا اليوم من كل سنة إحياء الإعلان العالمي لحقوق الاسنان الذي يقع التركيز فيه على الحقوق الأساسية مثل الحرية والمساواة ومختلف القيم الإنسانية وهو أمر محمود. غير أن الحق في الحماية الاجتماعية لا يحظى بما يستحق من الاهتمام على المستويات السياسية والحقوقية والإعلامية والحال أنه يمثل أفدح مثال على البون الشاسع بين النظرية والشعارات حول حقوق الإنسان من جهة وبين واقعها وتحدياتها من جهة ثانية. فقد نصت المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 على أن ” لكل شخص باعتباره عضوا في المجتمع الحق في الضمان الاجتماعي وله الحق في الحصول على إشباع حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته وللتطور الحر لشخصيته” مثلما نصت المادة 25 على أنه ” لكل شخص الحق في مستوى معيشة كاف لتأمين صحته وحاجته المادية وصحة وحاجات أسرته وخاصة تلك المتعلقة بالمأكل والملبس والمسكن والخدمات الصحية والخدمات الاجتماعية الضرورية وله الحق في الضمان في حالة البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة أو في الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل العيش نتيجة ظروف خارجة عن إرادته”.
أما في مستوى الواقع فقد حلت جائحة الكوفيد 19 لتكشف التأخر الكبير في تكريس هذا الحق حيث يحرم اليوم أربعة اشخاص من جملة خمسة أشخاص في العالم من التغطية الاجتماعية الكافية. وتنزل هذه النسبة إلى تسعة أشخاص من بين عشرة أشخاص في البلدان النامية. وبذلك فقد ازداد الوضع سوءا مقارنة بما كان عليه عقب الأزمة المالية والعقارية لسنتي 2008 و2009 حيث كانت ثلث البلدان في العالم يقطنها 28 بالمائة من السكان توفر أنظمة للحماية الاجتماعية مما دعا منظمة العمل الدولية إلى إصدار بيانها الداعي إلى ” العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة ” الذي التزمت فيه الدول ب” توفير الضمان الاجتماعي للجميع بما في ذلك التدابير لتوفير الدخل الأساسي لكل من يحتاج للحماية “. ثم أعقبته سنة 2012 باعتماد التوصية عدد 202 المتعلقة بالأرضية الدنيا للحماية الاجتماعية التي تضمنت أربع ضمانات أساسية وهي الحق في الخدمات الصحية الأساسية الملائمة والحق في حد أدنى من الدخل للأشخاص المسنين والمعوقين والحق في حد أدنى من الدخل الأساسي لفائدة الأطفال بما يمكنهم من الحصول على التعليم والتغذية والرعاية الصحية والحق في حد أدنى من الدخل للأشخاص في سن العمل غير القادرين على كسب دخل كاف بسبب المرض أو البطالة أو الأمومة أو العجز. لكن هذه التوصية لم تؤثر كثيرا في الواقع خاصة أنها لم تتحول إلى اتفاقية مما جعل الدول غير ملزمة باعتمادها أو تطبيقها رغم ما ترفعه من شعارات وما تطلقه من وعود حول شمولية الحماية الاجتماعية.
وفي تونس ورغم المكاسب التي تحققت في مجال توسيع التغطية الاجتماعية تظل نسبة هامة من السكان محرومة من الحق الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان حيث ما زال 17,2 في المائة من مجموع المواطنين سنة 2019 لا تشملهم التغطية الاجتماعية وازداد الوضع استفحالا بسبب جائحة الكورونا من ذلك أن عدد المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تراجع من مليونين و400 ألفا سنة 2019 إلى مليونين و350 ألفا سنة 2020 أي بانخفاض نسبته 2 بالمائة وهي ظاهرة تحصل لأول مرة. وما زال التشريع التونسي يتضمن إقصاء العاطلين عن العمل من التغطية الصحية فضلا على الإقصاء الفعلي لفئات أخرى من المجتمع مما يجعل إحياء ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دون معنى إن لم يكن الحق في الحماية الاجتماعية في مقدمة الحقوق مهما كان التقدم الذي تحقق في بقية المجالات.
د. بدر السماوي – الشروق : 10 ديسمبر 2021