
بقلم بدر السماوي – الشروق : 15 ماي 2022 – ” نافذة على الوطن”
تعاني اليوم ما يناهز عن مليون أسرة تونسية من الفقر بما يعادل أربعة ملايين مواطن تونسي إذا اعتبرنا كل أفراد الأسرة أي ما يقارب ثلث سكان البلاد مما يمثل رقما مفزعا يهدد السلم الاجتماعية بل الأمن العام. ولا مجال هنا لإعادة تعداد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسب الفقر وإنما لدراسة الآليات المستحدثة والنظر في مدى قدرتها على تجاوز هذا الوضع. فقد تم بمقتضى أمر رئاسي مؤرخ في 25 افريل الماضي إحداث مجلس أعلى للتنمية الاجتماعية وذلك في إطار تطبيق القانون الأساسي لبرنامج الأمان الاجتماعي الصادر في جانفي 2019. ومن مهام المجلس تنسيق ومتابعة وتقييم السياسات الاجتماعية للدولة في مجال الادماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والحد من الفقر.
وتتصدر مهمة التنسيق بقية المهام من أجل تجاوز حالة التشتت والفوضى التي سادت التدخلات في هذا المجال على مدى عقود مما جعلها عاجزة على إنجاز تقدم ملموس مثلما تشير إلى ذلك الاحصائيات. وقد كرست تركيبة المجلس مقاربة أفقية بوضعه تحت إشراف رئاسة الحكومة وضمه 16 وزارة وهي الوزارات المتدخلة في مجال مقاومة الفقر تفاعلا مع تعريف الفقر بصفته الحرمان متعدد الأبعاد الذي يمس الدخل والصحة والتعليم والسكن والنفاذ إلى الخدمات العمومية وظروف العيش مما سيسمح باتخاذ الحلول المناسبة للتوقي من الفقر والحد من آثاره ومنع الارتداد إليه وتوارثه. ونذكر على سبيل المثال وزارات الشؤون الاجتماعية والصحة والتعليم والتكوين المهني والفلاحة والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن. كما كرست تركيبة المجلس ما نص عليه القانون الأساسي لبرنامج الأمان الاجتماعي من اعتبار مقاومة الفقر مسؤولية وطنية على الدولة والجماعات المحلية والمنشآت العمومية تجسيمها في إطار مقاربة تشاركية مع المؤسسات الخاصة والمنظمات الوطنية والجمعيات والأسر والأفراد، لذلك ضم المجلس أعضاء عن منظمات العمال ومنظمات الأعراف الأكثر تمثيلا والاتحاد الوطني للمرأة التونسية وكذلك ممثلين عن هياكل أخرى إدارية وحقوقية واجتماعية.
ولئن تنبئ المعطيات المذكورة أعلاه بفتح آفاق جديدة للتقدم في مجال مقاومة الفقر فإن بعض النقاط تثير بعض التحفظ ومنها عدم إحداث الوكالة الوطنية للإدماج والتنمية الاجتماعية التي نص عليها الفانون الأساسي لبرنامج الأمان الاجتماعي وكلفها بضبط قائمة المنتفعين بالبرنامج بما يسمح لها بصفتها مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية بتجاوز عقبات الروتين الإداري والتوظيف السياسي. وعلى سبيل المثال فقد كانت حكومة الفخفاخ أصدرت في ماي 2020 الأمر الحكومي المتعلق بضبط شروط وإجراءات الانتفاع ببرنامج الأمان الاجتماعي وهي المرحلة الثالثة والأخيرة في تنفيذ برنامج الأمان الاجتماعي عوض أن تبدا بإحداث المجلس الأعلى للتنمية الاجتماعية ثم الوكالة الوطنية للإدماج والتنمية الاجتماعية.
ويبقى مشكل التمويل العقبة الرئيسية في النجاح في مقاومة الفقر حيث لم ترصد ميزانية الدولة على مدى عدة سنوات وخاصة منذ سنة 2019 اعتمادات إضافية لتمويل برنامج الأمان الاجتماعي وأصبحت تعول على التمويل الأجنبي. ومن آخر هذه التمويلات القرض المسند من البنك الدولي للإنشاء والتعمير المخصص للتمويل الإضافي لمشروع الحماية الاجتماعية للتصدي العاجل لجائحة كوفيد 19 والمقدر ب 357 مليون أورو الموافق عليه بالمرسوم المؤرخ في 29 افريل الماضي والذي تزامن مع إحداث المجلس الأعلى للتنمية الاجتماعية.
إن ظاهرة مقاومة الفقر عن طريق التمويل الأجنبي مهما كانت صيغته مؤشر خطير خاصة إذا أضفناه إلى تمويل الأجور العمومية بنفس الوسيلة. ومن الغباء الاعتقاد أن المنظمات الممولة لمقاومة الفقر هدفها الحصول على أجر عند الله وإنما التخفيف من تداعيات رفع الدعم. ورغم الصعوبات التي تعاني منها الميزانية العمومية فإن الاعتماد على الموارد الذاتية هو الكفيل بمقاومة الفقر وهو ليس مهمة مستحيلة إذا ما تم التوجه نحو تطبيق العدالة الجبائية واستيعاب القطاع غير المنظم والنهوض بالقطاع الفلاحي والتقليص من عجز الميزان التجاري.