
بقلم الحبيب السماوي – الشروق : أفريل 2022
يتنزل المرسوم الصادر الأسبوع الماضي والمتعلق بتنقيح بعض أحكام قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في سياق الوضع الانتقالي والإجراءات الاستثنائية المستجيبة للمد الشعبي وفي تناسق مع رزنامة الاستحقاقات الانتخابية المعلنة سواء الاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 أو الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر 2022. كما ينسجم ويتواصل مع الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية والأمر الرئاسي عدد 309 لسنة 2022 المتعلق بحل مجلس نواب الشعب.
وقد تباينت الآراء بين مؤيد لهذا التمشي وبين معارض له. ولئن باركت الأصوات الوطنية المؤيدة للحراك الوطني هذه الخطوة للشروع في الإعداد الشامل للاستحقاقات الانتخابية فإن الشق المعارض اعتبر أن هذا المرسوم ضرب لاستقلالية هذه الهيئة. وفي قراءة لهذا المرسوم نلاحظ أن التغيير مس بالأساس الفصول المتعلقة بمجلس نواب الشعب المنحل والتي يقوم مقامها بصفة استثنائية رئيس الجمهورية طبقا للأمر الرئاسي 117. أما في خصوص تركيبتها فإن ثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية من ضمن الهيئة السابقة والتي انتخبها مجلس نواب الشعب بالذات. أما الأعضاء الأربعة فثلاثة من القضاء العدلي والإداري والمالي وتقوم هياكل القضاء بترشيح ثلاثة من كل سلك ويختار رئيس الجمهورية عضوا من كل اختصاص. ويخص العضو الرابع مهندسا في الإعلامية من المركز الوطني للإعلامية. ويُعتمد نفس التمشي في اختيار الأعضاء القضاة. وعلى هذا الأساس فإن تدخل رئيس الجمهورية يتم في المرحلة الأخيرة.
وقد اصطف الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي من المفروض أن يكون مستقلا مع الرافضين للمرسوم بتعلة ضرب استقلالية الهيئة. وذهب عضو آخر إلى إمضاء عريضة ضد الإجراءات الاستثنائية ومنهم من انضم إلى ما يسمى ” مواطنون ضد الانقلاب”. ويجدر التذكير بوقائع تناسوها حيث أن الهيئة السابقة تم انتخابها في ظروف التوافق المغشوش وفي ظل غياب أغلبية معززة لانتخاب الأعضاء وهو ما يعني تعيينهم بالولاءات للكتل الأغلبية بمجلس نواب الشعب من بينها حركة النهضة وبالتالي لم تكن الهيئة مستقلة بل كانت تطبق أوامر من عينوها. لكن الأخطر من هذه الإشكاليات القانونية أن المدافعين على استقلالية هذه الهيئة لم يدافعوا عن استقلالية الوطن بل ارتموا في أحضان قوى خارجية أغدقت عليهم الأموال في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة بإقرار من محكمة المحاسبات وتمت إحالة ملفاتهم على القضاء.
ومما زاد في انكشاف تورط هذه المجموعات التصريحات المعادية لتونس والمنتهكة لسيادتها الصادرة عن مموليها حيث أبدت قلقها وانزعاجها من صدور المرسوم المنظم لتشكيل الهيئة. فقد أفادت وزارة الخارجية الأمريكية أن “الولايات المتحدة “قلقة للغاية” من قرار الرئيس التونسي إعادة تشكيل لجنة الانتخابات في البلاد” واعترف وزير الخارجية بلينكن بأنه يضغط ” من أجل شفافية تشمل الأحزاب السياسية” معبرا على نية بلاده استعمال الابتزاز حيث توجه إلى المسؤولين في تونس قائلا بأن أهم ما يتعين عليهم القيام به ” جعل أنفسهم مؤهلين تمامًا للحصول على دعم المؤسسات المالية الدولية”. كما حذا حذو الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي والذي “يتابع باهتمام بالغ تعيين أعضاء الهيئة ” في حين أننا أولى بالقلق والانزعاج بل السخط والاستنكار لأن تشكيل الهيئة شأن داخلي وتونس ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي وليست ولاية أمريكية والانتخابات وشكلها والإشراف عليها لا يهم سوى التونسيين. وهكذا يتبين مرة أخرى الترابط الوثيق بين خطط الغرب وحلف الناتو وبين الحركات الإخوانية التي قامت بتنفيذ مشروع الربيع العبري والثورات المزيفة وعملت على ضرب دعائم الدولة الوطنية واتسمت فترة حكمها بانتشار الإرهاب والاغتيالات السياسية ودوس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن الرد الحقيقي على محاولة التدخل الأجنبي في الانتخابات يتم بمواصلة تنفيذ مسار الإصلاح الوطني في جانبه السياسي بتوفير ظروف نجاح الاستفتاء عبر تشريك القوى الوطنية التي ترفض العودة إلى ما قبل 25 جويلية ولم تشارك في الحكم خلال العشرية الأخيرة بشكل أو بآخر. ويتم لاحقا بإفراز مجلس تشريعي يعبر عن شواغل التونسيين ويقطع مع الاستقواء للخارج ويذود عن المكاسب الوطنية التي ضحى من أجلها شهداء الوطن ضد المستعمر الفرنسي وشهداء الوطن في مقاومة الإرهاب.