مسلسل” شارة نصر جلبوع” : ملحمة التحرر الفلسطيني من المعتقل الصهيوني

بقلم: فتحي الماهر – الشروق : 30 ماي 2022

قضت محكمة الاحتلال الصهيوني يوم الأحد 22 ماي 2022 بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر على أبطال نفق الحرية الذين تمكنوا من الهروب في شهر سبتمبر 2021 من معتقل جلبوع علما أن أغلبهم محكومون بالسجن المؤبد إلى جانب تسليط أحكام بالسجن لأسرى آخرين شاركوا في العملية البطولية التي مثّلت صفعة مدوية لسلطات الاحتلال وإجراءاتها الأمنية. ولعله من المفيد بل من الواجب التعريف بمسلسل فلسطيني تعرض إلى هذه الملحمة يحمل عنوان «شارة نصر جلبوع” من إنتاج قناة ” القدس اليوم” ومن إخراج حسام مجدي أبو دان تم إعداده في ظرف بضعة أسابيع وعُرض في رمضان الفارط في بعض القنوات العربية.
مسلسل وكأنه الواقع
قدم المسلسل على مدى 24 حلقة لوحة حية لما يحدث داخل السجون الصهيونية مثلما صوّر بأمانة معركة حفر نفق الحرية والهروب من سجن جلبوع . فنانون تقمصوا شخصيات الأسرى حتى تطابقوا معها بصدق تمثيلهم وحزنهم وفرحهم وبكائهم ومعاناتهم. يبدأ المسلسل بجلب محمود العارضة قائد عملية نفق الحرية إلى سجن جلبوع عقابا له على محاولة الهروب من سجن ” شطة ” ليقضي بقية حكمه المؤبد بين جنبات هذا المعتقل الحصين وسط غرور إدارة السجن بأن دبيب النمل لا يخفى عنهم. لكن إرادة الصمود والحياة والتّوق إلى الحرية جعلت هذا المناضل المقدام يفكر منذ اليوم الأول في الثغرات التي يمكن من خلالها التخطيط لعملية هروب جديدة. ونجح المسلسل في تصوير معاناة الأسرى والتنكيل بهم كما نقل محاولات تقسيم الأسرى واستدراجهم لخيانة رفاقهم لكن دون جدوى بفضل وحدتهم الصماء وتنظيم الحياة داخل الزنزانات والمعتقل بتعيين قيادة تضطر إدارة السجن للتفاوض معها لحل الإشكاليات.
حفر النفق بالدم والصبر
بدأ محمود العارضة العملية في حفر ثقب في المرحاض حيث توجد رخامة 60 سم على 60 سم تحت حوض الغسل (لافابو) أزالها وحفر تحتها ثم أصبح ينزعها ويعيدها بعد كل عملية مستعملا برغي (فيس) وعامود حديد تمّ نزعه من سرير أحد الأسرى. كان الأسرى يعملون ليلا في غفلة من السجان الذي يقوم أحيانا بعملية تفتيش فجئية، تضطرّهم للخروج بسرعة للمثول أمام عملية العدّ المعروفة. وكانت عملية الحفر تتم أحيانا والأسرى مضربون عن الطعام حتى يكاد بعضهم يُغمى عليه في النفق وأصبحت العملية أكثر تعقيدا عندما بلغ النفق قرابة 20 مترا مما يتطلب ولوج أربعة أو خمسة أسرى لأداء المهمة مع بقاء أسير واحد في الغرفة للحراسة. وتحدث الفنان الذي أدّى دور محمود العارضة كيف أن منكبيه سالت منهما الدماء عند تصوير مشاهد عملية الحفر في نفق ضيق أعدّ للغرض. أصبح طول النفق 25 مترا مما أكد أنه أصبح خارج أسوار السجن ليتقرر تنفيذ عملية الهروب، كان الأسرى الستة في الغرفة من حركة الجهاد الإسلامي فقرّروا أن يطلب أحدهم نقله لغرفة أخرى مقابل نقل الأسير زكريا الزبيدي من حركة “فتح” إلى غرفتهم ليتمكن من الهرب معهم، تجسيدا للوحدة الفلسطينية، وكان الأمر كذلك. وزحف الأسرى ليلا عبر النفق الضيق بصعوبة ليصلوا إلى فتحة الحرية وسط غفلة من برج المراقبة ومن المجندة الساهرة على كاميرات المراقبة التي نامت.
الهروب الكبير المدوي
انتشر الأسرى المحررون للابتعاد قدر المستطاع عن السجن وسط حقول البرتقال والهضاب يتنشقون نسمات الحرية المنجزة بالصبر والمعاناة ويتلذذون طعم البرتقال الفلسطيني المشهور ويقبّلون تراب الأرض الغالية. سويعات وتفطّن العدو للكارثة التي أصابته مما فجّر مشاحنات وخلافات لتحميل المسؤولية. وانطلقت الآلة الجهنمية الصهيونية فرق بأكملها انتشرت للتفتيش، ثلاثة أيام والعدو في حالة رعب وارتباك حتى تمكن من العثور على الأسرى وإعادتهم إلى مسلخ التعذيب الصهيوني حيث الضرب والعزل والحرمان من أبسط متطلبات الحياة لتنطلق محاكمة أبدوا خلالها أرقى صور الصمود والمعنويات العالية. وأنهى المخرج المسلسل بخاتمة استشرافية نضالية رائدة مصورا عمليات للمقاومة وهي تأسر ضابطا صهيونيا لتتم مبادلته بالأسرى الستة مرفوعي الرأس مرتدين ثياب المقاتلين حاملين رشاشاتهم كبشرى بأن تحرير الأسرى ينجز على يدي المقاومة بعمليات التبادل التاريخية.
وختاما ندعو المسؤولين عن التلفزة التونسية لاقتناء هذا المسلسل وبثه تكريسا لواجب دعم الحق الفلسطيني وفضح جرائم الكيان الصهيوني فالمجال الفني لا يقل دوره عن المجالات السياسية أو الاقتصادية.

مسلسل” شارة نصر جلبوع” : ملحمة التحرر الفلسطيني من المعتقل الصهيوني
أنشره
الموسومة على: