
الحبيب السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 8 أوت 2021
ينتظر الرأي العام والوطني والدولي إعلان خارطة الطريق للفترة القادمة بعد القرارات المعلنة يوم 25 جويلية وما تبعها من تداعيات من أبرزها فتح الأمل على طي صفحة العشرية السوداء. وتتعلق أبرز الإنتظارات على المستوى الداخلي في الخطة المرسومة لإنقاذ تونس. أما على مستوى العلاقات الخارجية فتتمثل الانتظارات في إعادة التوازن في السياسة الخارجية من أجل عودة تونس لموقعها الطبيعي واستعادة ثقة البلدان الشقيقة والصديقة وتأتي في طليعة هذه الانتظارات على المستوى الخارجي عودة العلاقات مع سورية الشقيقة وفتح السفارتين في تونس ودمشق.
لقد تغيرت التوازنات بالمنطقة العربية بعد فشل محور ربيع الخراب الذي راهن على تقويض الدول الوطنية العربية وفي مقدمتها سورية التي حققت انتصارا تاريخيا على أكبر هجوم أمريكي صهيوني بتعاون مع بعض الأنظمة العربية وأفشلت هذا المشروع بفضل استبسال الجيش السوري البطل وتماسك الجبهة الداخلية والتحام الشعب بقيادته ودعم البلدان الصديقة. فقد ساهمت المنظومة السياسية التي أفرزتها انتخابات سنة 2011 وبزعامة حركة النهضة في المخطط المعادي لسورية باستضافة اجتماع ما سمى باطلا بمؤتمر أصدقاء سورية سنة 2012 وبغلق السفارتين وقطع العلاقات وبتسفير الشباب إلى سورية وضمهم إلى التنظيمات الإرهابية لقتل الأبرياء من أبناء الشعب السوري بتواطؤ مع الدولة العثمانية. ونتيجة ذلك أصبحت الجالية التونسية في سورية تعاني الأمرين وكذلك الشأن بالنسبة للجالية السورية بتونس.
وعليه فإن إعادة العلاقات بين تونس ودمشق أضحت مطلبا ملحا ـأكثر من أي وقت مضى من شأنه أن يبعث في نفوس إخواننا من الجالية التونسية في سورية الطمأنينة ويشعرهم بأنهم في تواصل مستمر مع بلدهم وأهاليهم ويتمكنون من تسوية الإشكاليات الإدارية التي بقيت عالقة. كما أن فتح السفارة السورية بتونس سيلقى ترحابا من الجالية السورية بتونس رغم أنها لقيت كل الدعم والمساعدة من شرفاء تونس خلال العشرية السوداء مثلما ستساعد إعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين على فتح ملف شبكات التسفير بصفة رسمية بحكم وجود المئات من التونسيين الإرهابيين الموقوفين بالسجون السورية ومتابعة ومحاسبة المسؤولين السياسيين الذين حركوا الخيوط من وراء الستار.
ولا تقتصر فوائد إعادة العلاقات على الجوانب السياسية أو الأمنية أو الإنسانية أو الإدارية بل تتعداها إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد كان للعلاقات التجارية وزن هام قبل 2010 في الميزان التجاري وتوجد العديد من الاتفاقيات البينية المطروح إعادتها لخلق ديناميكية اقتصادية جديدة إلى جانب العلاقات الثقافية المتميزة حيث تعود التونسي على متابعة الإبداع الفني والدرامي السوري مثلما ولج الإبداع التونسي البيت السوري على غرار الموسيقى التي عرف السوريون من خلالها مثلا ذكرى محمد ولطفي بوشناق.
ولا بد من الإشادة في هذا الصدد بجهود القوى الوطنية في تونس على مدى العشرية الأخيرة التي خاضت عديد النضالات مطالبة بعودة العلاقات بين البلدين مثل تنظيم وقفات احتجاجية ومساعدة الجالية السورية في تونس على مشاركتهم في انتخابات رمزية تشريعية ورئاسية في تونس واستضافة الأسبوع الثقافي السوري في تونس سنة 2017 الذي جاب عدة مدن تونسية واستقبال وفد إعلامي سوري في السنة الموالية. وفي المقابل أدت عدة وفود حزبية وجمعياتية ونقابية زيارات إلى سورية والتقى بعضها مع الرئيس بشار الأسد ومعبرين عن تضامنهم مع سورية ضد المؤامرة المحاكة ضدها وتبرؤهم مما ارتكبه الإرهابيون التونسيون في حق إخواننا السوريين.
إن اتخاذ رئيس الجمهورية قرار إعادة العلاقات مع سورية يمثل خطوة هامة نحو تصويب بوصلة الدبلوماسية التونسية وعودة انخراط تونس في محيطها العربي على أمل خطوات أخرى لا تقل أهمية مثل الوقوف إلى جانب قوى المقاومة في مختلف أٍرجاء الوطن وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية وذلك بإصدار قرار رئاسي لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.