بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 09 افريل 2022 – نافذة على الوطن
لئن كان يوم 9 افريل من كل سنة ذكرى الشهداء الذين سقطوا في مثل ذلك اليوم من سنة 1938 مطالبين ببرلمان تونسي فإنه يمثل في الحقيقة رمزا يشمل كل الشهداء الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب هذه البلاد خلال مختلف مراحل الحركة الوطنية التي تمكّنت من طرد المستعمر الفرنسي مثلما يمثل عيدا لتكريم كل المقاومين الذين ضحى كل واحد منهم بما استطاع لتحصل تونس على استقلالها..
وسعيا إلى الوفاء لهؤلاء والاعتراف لهم بالجميل قامت الدولة التونسية بضبط قائمة شهدائها ومقاوميها ومنحهم أو منح ذويهم بعض المنافع الاجتماعية مثلما جاءت به عدة نصوص قانونية ومن أهمها القانون الصادر في 9 مارس 1974 الذي نص على حق كل مقاوم يقل دخله السنوي عن الأجر الأدنى المضمون الحصول على جراية شهرية وتمكينه وأفراد عائلته من العلاج المجاني بالمستشفيات العسكرية والمدنية. وقد تم تعريف المقاومين بأنهم ” الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم لتحقيق استقلال تونس على أن يكون حصل لهم ضرر مادي أو بدني بسبب مساهمتهم في الكفاح الوطني أو أصيبوا بسقوط بدني ناتج عن جروح لحقتهم عند مخاطرتهم بحياتهم من أجل استقلال تونس أو بأمراض أصيبوا بها إثر سجن استمر طويلا أو عنف تعرضوا له بسبب أعمال مقاومة”. وكان هذا هو أول صنف من المقاومين..
ثم أضيف صنف ثان ضمّ الشهداء والجرحى الذين أصيبوا خلال أحداث ديسمبر 2010 جانفي 2011 والذين عرّفهم المرسوم عدد 97 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 بأنهم ” الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جراء ذلك”. ونص المرسوم على التعويض للشهداء بمنح جراية شهرية لفائدة القرين والأبناء. أما المصابون فيستحقون جراية شهرية في صورة الإصابة بسقوط بدني ويتمتع ذوو الشهيد وكذلك الجرحى بمجانية العلاج بالهياكل العمومية للصحة وبالمستشفى العسكري. وأضيف إلى الصنف الثاني لاحقا ضحايا العمليات الإرهابية بمقتضى نصوص قانونية مماثلة من أهمها الأمر الحكومي المؤرخ في 9 مارس 2016 المتعلق بإحداث ” الهيئة العامة للمقاومين ولشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية”. هذا وتتحمل ميزانية الدولة مبالغ جرايات الصنفين السابق ذكرهما ويتولى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية صرفها..
وهناك صنف ثالث من الشهداء والمقاومين وهم الذين توجهوا لقتال العدو الصهيوني فمنهم من روى بدمه أرض فلسطين ومنهم من ناضل لفترة معينة ثم عاد إلى تونس. وتكمن أهمية الاعتراف بهؤلاء الذين لا يُعرف أحد عددهم حتى اليوم في أنهم كرّسوا قيم التضحية والفداء في أرقى صورها فكانوا يتطوعون منذ سنة 1948 ودون انقطاع للمساهمة في تحرير فلسطين بما يجعلهم في نفس قيمة من كافح ضد الاستعمار الفرنسي أو من تصدى للإرهاب أو من خرج مطالبا بالشغل والكرامة. هذا وقد كان الزعيم فرحات حشاد يشرف بنفسه على سفر المتطوعين إلى فلسطين ويوفر لهم اللوازم ويتصل بعوائل من يستشهد منهم ويستقبل العائدين ويعالج المصابين بينما لم تول السلطات التي حكمت البلاد منذ سنة 1956 حتى اليوم أي اهتمام لهذا الصنف..
إن الواجب الوطني يقتضي ضبط قائمة في هؤلاء الأبطال وتخليد ذكراهم وإجلال تضحياتهم. ورغم أن المسألة تكتسي جانبا اعتباريا أكثر منه ماديا فإن بعض الحالات تستوجب التكفل بهم اجتماعيا وبذويهم. ومن آخر الأمثلة الفقيد فيصل بنعون أصيل قرية تنبيب من ولاية قبلي الذي توفي يوم 17 مارس الماضي بعد أن كافح لمدة 23 سنة في صفوف المقاومة الفلسطينية أبلى خلالها البلاء الحسن والذي تنتظر عائلته لفتة كريمة من سيادة رئيس الجمهورية الذي عُرف بمواقفه الوطنية الصادقة تجاه القضية الفلسطينية وذلك بتمكينها من نفس المنافع المخولة لبقية عائلات الشهداء والمقاومين ولم لا إصدار مرسوم ينصف كلّ من ناضل من أجل تحرير فلسطين..