
يفرض هذا التساؤل نفسه بعد أن تبين أن مليوني تونسي مازالوا يعانون من الأمية. ولا يشتمل هذا العدد فقط على من فاته قطار التعليم خلال العقود الماضية وهم أساسا من الكبار بل انضمت إليهم نسبة من المنقطعين عن الدراسة بلغ عددهم خلال العشرية الأخيرة ما يناهز المليون بمعدل مائة ألف سنويا. وتمثل هذه الأرقام تراجعا فظيعا على الخطوات الإيجابية التي تم إنجازها في مجال محو الأمية في مراحل سابقة من تاريخ البلاد. فقد كانت نسبة الأمية سنة 1956 تصل إلى ما يناهز 85 ٪ وتراجعت إلى حوالي 67 ٪ بعد عشر سنوات ثم نزلت إلى حوالي 37 ٪ سنة 1989 ثم إلى ما يناهز 23 ٪ سنة 2004. وها هي تستقر في حدود 18 ٪ حاليا ونحن نقترب من نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.
فقد تبين أن نسق القضاء على الأمية عرف تراجعا ملحوظا خلال العشر سنوات الماضية متأثرا بتراجع الاعتمادات المالية المخصصة له من ذلك انخفاض الميزانية لسنة 2013 زمن حكومة حركة النهضة من حوالي 13 مليون دينار إلى 3 ملايين دينار فقط بدعوى ترشيد النفقات والحرص على المال العام. وبلغت الاعتمادات 9 مليون دينار خلال السنة الماضية في حين أن الحاجيات المالية السنوية تتراوح ما بين 25 و30 مليون دينار حسب ما صرح به المسؤول عن البرنامج الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار. وعوض إعطاء الأولوية لهذا البرنامج في مستوى التمويل اتجهت الدولة إلى البحث عن فرص تمويل دولية منها ما تم مع منظمة ألمانية غير حكومية. وعلاوة على ضعف التمويل تعاني منظومة محو الأمية من استقالة الدولة من عملية استقطاب الأميين وإلقائها على كاهل المجتمع وخاصة على المدرس المحروم من أبسط شروط العمل اللائق. فالمدرس يشتغل بصيغة التعاقد لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد ويتلقى منحة شهرية تسمى ” منحة التدريس في مجال محو الامية وتعليم الكبار” يبلغ مقدارها الأجر الأدنى المهني المضمون لمختلف المهن في القطاعات غير الفلاحية (نظام 40 ساعة) على شرط أن يضطلع بتدريس فوجين من الدارسين- نظام تعليم حضوري (أي مستوى واحد ) أو فوج تدريس – نظام مكثف( أي مستويين اثنين) وذلك في حدود 15 ساعة أسبوعيا. والأدهى من ذلك أن المدرس يتحمل وحده كل خلل يحصل حيث ينص العقد الممضى بينه وبين الوزير على أن نقص عدد الدارسين للفوج الواحد إلى ما دون 7 بالصيغتين الحضوري والمكثف أو تراجع مواظبة الدارسين إلى أقل من 70 بالمائة من الحضورات الشهرية الممكنة يعتبر خطأ مهنيا يترتب عنه طرد المدرس.
إن القضاء على الأمية لا يمكن أن ينجح بمواصلة التعامل مع المدرسين الذين هم في أغلبهم من أصحاب الشهادات العليا بمثل هذه الصيغ الهشة من التشغيل علما وأن عددهم لا يتجاوز ألفا مكلفين بتدريس أكثر من عشرين ألف دارس. ولئن توصل الاتحاد العام التونسي للشغل مع الحكومة ضمن محضر6 فيفري 2021 إلى اتفاق يقضي بـ ” تسوية متعاقدي تعليم الكبار وذلك بإدماجهم في سلك التربية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية ” فإن الأمر ما زال مؤجلا مما يتطلب إعطاء الموضوع صبغة الاستعجال بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتطورات السياسية التي تمر بها البلاد. فقد أثبتت عدة دراسات وتجارب أنه كلما انخفضت معدلات الأمية كلما زادت معدلات النمو الاقتصادي لأن المواطن المتعلم يصبح أكثر استعدادا للعمل ولبعث المشاريع والنهوض بحالته المعيشية. أما على المستوى السياسي فعلى الدولة بذل مجهود إضافي لتمويل البرنامج وانتداب المدرسين ولو على دفعات من أجل توفير أفضل الظروف لاستكمال مسار 25 جويلية لما أحدثه من آليات تستوجب مشاركة المواطن بصفة مباشرة مع اقتراح استبدال كلمة ” تعليم الكبار” ب ” القضاء على الأمية” بعد أن أصبح البرنامج يستهدف الكبار والصغار على حد سواء.
بقلم د. بدر السماوي- الشروق : 25 مارس 2022 – نافذة على الوطن