مواجهة الوباء بين رب البيت وأهله

أيهما المسؤول على التوقي من الوباء ومواجهته: الحكومة أم المواطن؟ سؤال كثيرا ما يتردد على الألسن ويثير جدلا بين من يتهم الحكومة بالتقصير دون النظر إلى سلوك المواطن ومن يجرّم المواطن مستعرضا ما تبذله الحكومة من مجهودات ومن يقف في الوسط ملقيا المسؤولية على الطرفين بنفس المستوى. لكن عودة انتشار الوباء بنسق متسارع هذه الأيام وتصاعد أعداد الموتى تزامنا مع انشغال الأطراف الحاكمة بالتجاذبات والمناكفات على حساب صحة المواطن بصدد التأكيد على أن المشهد أصبح أقرب إلى ما وصفه الشاعر سبط بن التعاويذي ” إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً…فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ”.

فقد تبين الفشل الذريع لأداء حكومة المشيشي ومن ورائها حزامها السياسي في إدارة الأزمة بدءا من التناقض في إحصائيات الإصابات والوفيات والفوارق الشاسعة بين الأرقام التي تعلن عنها الإدارات الجهوية للصحة وتلك التي تعلن عنها وزارة الصحة بل وصل الأمر إلى قيام بعض الإدارات الجهوية بتكذيب أرقام سلطة إشرافها. كما كان فادحا التناقض بين إعلان مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة عن انهيار المنظومة الصحية وبلاغ وزارة الصحة في اليوم الموالي الذي نفى فيه انهيار المنظومة وذلك بقطع النظر عن مدى صحة هذا المصدر أو ذلك. وتكمن أهمية دقة التشخيص في انعكاسها على اتخاذ القرار المناسب. أما على المستوى الميداني فقد توقفت الحكومة مؤخرا عن توفير اللقاحات للمسجلين والذين بلغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين حيث لم يتسن تلقيح سوى خُمسهم وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة ببقية البلدان رغم ظهور بوادر استئناف التلقيح خلال الأيام القادمة. ولم توفر الحكومة التجهيزات اللازمة من أسرة إنعاش وأجهزة تنفس وعبوات أكسيجين ولم تعزز المستشفيات بما يكفي من إطارات طبية لمواجهة الأعداد المتصاعدة من المصابين.

وفي نفس الوقت الذي يتم فيه تدمير المنظومة الصحية العمومية في إطار تفكيك هياكل الدولة يتم التخطيط لإقامة منظومة صحية موازية من ذلك أن رئيس بلدية بنزرت المنتمي لحركة النهضة قام خلال الأسبوع الماضي بفتح  وتهيئة مستشفى ميداني في تجاوز للجنة الجهوية لمجابهة وباء الكورونا التي أقرت منذ أشهر تهيئة مصيف الرمال ليحتضن المصابين بالكوفيد. ويذكرنا هذا التصرف بما قام به الإخوان المسلمون في مصر أثناء حكم مرسي حيث ركزوا مستشفيات موازية تابعة لتنظيمهم إلى جانب المستشفيات العمومية مثلما ركز الإخوان هناك وهنا مدراس موازية. ويتواصل مسلسل التمكين والغنيمة متجسدا في تكالب الائتلاف الحاكم وصراعه هذه الأيام على التعيينات في المناصب العليا للدولة وفي مطالبة أحد قياديي حركة النهضة بالتعويض على ما لحقهم نتيجة نضالهم ضد النظام السابق علما وأن أغلبهم ممن كانوا يعملون في الوظيفة العمومية أو القطاع العام حصلوا على أجورهم ومستحقاتهم خلال فترة انقطاعهم عن العمل وكذلك على أقدميتهم بعنوان التقاعد للفترة نفسها. وحتى تتمكن الحكومة ومن ورائها حزامها السياسي من إحكام سيطرتها على الوضع المنفجر أعدت مشروع قانون الطوارئ الصحية لتسليط عقوبات زجرية على كل من يخالف الإجراءات الحكومية المتعلقة بمواجهة الوباء تصل حدّ السجن.

لقد كان وسام جبارة نموذجا للمواطن التونسي الذي يعاني يوميا من الوباء ومن تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية دون أن يتحمل فيها أية مسؤولية لذلك كانت صرخته العفوية بقطع النظر عن شكلها إدانة للمنشغلين بالضرب على الدف. غير أن أهل البيت لم يجدوا الوقت للرقص بعد أن أدركوا أنه عليهم التعويل على أنفسهم لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة على أمل التخلص من ضاربي الدف في أقرب الآجال.

ملاحظة: لم يكن القصد من الاستعارة حول ضرب الدف والرقص من باب تحقير هذين الفنين بل لأجل المقارنة بين سلوك رب البيت وأهله.

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 18 جويلية 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

بقلم د بدر السماوي

مواجهة الوباء بين رب البيت وأهله
أنشره