
بقلم د. بدر السماوي – جريدة الشارع المغاربي الألكترونية : 5 ديسمبر 2023
لم يحظ موضوع التشغيل الهش بما يكفي من الاهتمام في ميزانية الدولة لسنة 2024 في الوقت الذي بلغ فيه عدد العاطلين عن العمل بنحو 638,1 ألف في الثلاثي الثاني من سنة 2023 بما يساوي 15,6 %. ومن أهم الفئات المعنية بالتشغيل الهش والتي تتواصل وضعيتها على حالها منذ سنوات الدكاترة الباحثون والمعطلون عن العمل من أصحاب الشهادات العليا وعملة الحضائر.
الدكاترة الباحثون
لم تشر وثيقة ميزانية الدولة للسنة القادمة إلى أي انتداب للدكاترة الباحثين في في حين أن ميزانية 2023 نصت على انتداب قسط منهم في حدود 800 خطة. ويشتكي الدكاترة الباحثون من غلق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لباب مناظرة انتداب الأساتذة المساعدين لمدّة خمس سنوات. أما بالنسبة لمن وقعت دعوتهم للتدريس بصفة مؤقتة فحددت الوزارة فترة التدريس بثلاثة عقود عمل لا غير وهي عقود هشة ذلك إن الدكاترة لا يتم إمضاء عقودهم قبل البدء في مهامهم ولا يتم خلاص أجورهم شهريا كما تنص عليه بنود العقد.
وقد دفعتهم كل هذه الظروف إلى تنظيم أنفسهم في جمعية أطلقوا عليها اسم ” الجمعية الوطنية لطلبة الدكتوراه والدكاترة الباحثين التونسيين” انطلقت في العمل منذ بداية 2020 وقدمت عدة مقترحات نذكر منها إدارج شهادة الدكتوراه في السلم الوظيفي والترفيع في النسب الدنيا للأساتذة القارين في الجامعات الخاصة وإحداث عمادة الدكاترة الباحثين وعقدت ندوات علمية بهدف اقتراح حلول عملية للمشاكل المطروحة. ولم تنطلق عملية الانخراط في الجمعية إلى مؤخرا بعد تجاوز التعقيدات الإدارية. وأكدت الهيئة المديرة التي يرأسها الدكتور الباحث محمد حداد على إيمانها بضرورة استكمال المسار النضالي الذي خاضه طلبة الدكتوراه والدكاترة الباحثون منذ سنوات وعزمها تأسيس رؤية منهجية واضحة تغيّر واقع البحث العلمي في تونس وإعادة هيكلة الإدارة التونسية يكون قوامها البحث العلمي.
العاطلون عن العمل ممن طالت بطالتهم
غض تقرير ميزانية الدولة للسنة القادمة النظر على مصير القانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي الصادر في أوت 2020 بعد أن نصّ تقرير سنة 2023 صراحة على عدم تطبيقه. هذا وقُدرت نسبة البطالة من بين حاملي الشهائد العليا بــــ 23,7 % خلال الثلاثي الثاني من ســنة 2023 . وقد تقدمت إحدى الكتل البرلمانية في نهاية شهر جويلية 2023 بمشروع قانون لإدماج من طالت بطالتهم من خريجي التعليم العالي في الوظيفة العمومية والقطاع العام. غير أن هذه المبادرة تعرضت إلى انتقادات عديدة من المعنيين بها مثل الاعتراض على تحديد السن الدنيا للانتداب بـ 40 سنة ومدة البطالة بعشر سنوات فما أكثر، ووضع شروط إقصائية مثل ” عدم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بصفة مسترسلة” بما يعني عقاب من حاول خلال بطالته أن يشتغل بصفة ظرفية، و” اشتراط “عدم انتساب القرين للوظيفة العمومية”.
ومهما كانت صعوبات المالية العمومية فلا مفر من إيجاد تصور يبعث الأمل في نفوس هذه الفئة من الشعب لاستنباط حل بديل عن القانون عدد 38 وعن المبادرة التشريعية المذكورة. ومن بين المقترحات البديلة القيام أولا بجرد للمعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا للتعرف على عددهم الحقيقي واختصاصاتهم ثم ترتيبهم تفاضليا اعتمادا على معايير مثل سنة التخرج وسن المتخرج.
عملة الحضائر
نص تقرير ميزانية الدولة للسنة القادمة على انتداب 6 آلاف خطة في إطار تسوية قسط جديد بعنوان سنة 2024. والمقصود بهم عملة الحضائر ممن سنهم دون 45 سنة. وتعتمد هذه التسوية على الأمر الحكومي عدد 436 لسنة 2021 المؤرخ في 17 جوان 2021 المتعلق بإنهاء العمل بآلية تشغيل عملة الحضائر الجهوية والحضائر الفلاحية على أن تنطلق إجراءات تعيين الدفعة الأولى في الأماكن الشاغرة في أجل أقصاه 15 ديسمبر 2021. ولكن لم يقع حتى الآن انتداب سوى خمسة آلاف من الدفعة الأولى وما زالت دفعة 2022 في مستوى تحديد الشغورات ولم تقع أي خطوة بالنسبة لدفعة سنة 2023 بما يثير تساؤلا حول مدى رصد اعتمادات لسنتى آلاف خطة في ميزانية سنة 2024 .
أما بالنسبة لعملة الحضائر ممن سنهم بين 45 و 55 سنة فلم تقع الإشارة لهم في تقرير مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 رغم مرور سنتين ونصف على صدور القانون عدد 27 لسنة 2021 المؤرخ في 7 جوان 2021 المتعلق بانتداب من سنهم بين 45 و 55 سنة. وقد نص هذا القانون على تكفل الدولة بتسوية وضعيتهم على دفعات سنوية أو بمنح صك مغادرة لمن اختار منهم الخروج الطوعي في مدة لا تتجاوز خمس سنوات. وتبعا لتأخر الحكومة في تطبيق هذا القانون ما انفك العملة المعنيون يطالبون بضبط معايير موضوعية اعتمادا على السن والأقدمية والمستوى التعليمي والوضعية الاجتماعية وإعداد منصة إلكترونية على غرار ما وقع لزملائهم ممن سنهم دون 45 سنة. كما يطالبون برصد اعتمادات لفائدتهم ضمن ميزانية الدولة للسنة القادمة.
وإذ لا يمكن إنكار أن تسوية وضعية الفئات المذكورة أعلاه يرتبط إلى حد ما بواقع المالية العمومية. غير أن هذا لا يبرر غياب أي إجراء ينصفهم ويفتح أمامهم باب الأمل من ناحية ويساهم في دفع التنمية الاقتصادية واستتباب السلم الاجتماعية من ناحية ثانية.