
بقلم: الحبيب السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 12 أوت 2021
أثارت حادثة تعنيف أم لابنتها ذات الثلاث سنوات ردود فعل غاضبة لدى الرأي العام وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي حيث صرحت الأم أنها كانت تحت تأثير تردي وضعها المادي والمعنوي. وتختزل هذه الواقعة أوضاع الطفولة وجملة الظواهر الجديدة والغريبة عن المجتمع التونسي التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة. فقد ارتفعت نسبة الاستغلال الجنسي للأطفال إلى 180 % سنة 2020 مقارنة بسنة 2019 كما تضاعفت نسبة بيع الرضع عبر شبكة التواصل الاجتماعي إلى 60.2 % خلال نفس السنة وانتشر تعاطي المخدرات وبلغ الإهمال حد وفاة حوالي 60 رضيعا غير مكتملي النمو. وتشير المؤشرات إلى ارتفاع نسبة الفقر لدى الأطفال إلى 21% متجاوزة نسبة الفقر لدى الأسر المقدرة ب 15.2 %.كما بلغت نسبة اشتغال الأطفال سنة 2017 ما يناهز 9.5 % مع تفاوت صارخ بين الوسط الريفي بنسبة 18.5 % والحضري بنسبة 4.8 %. وأصبح معدل انقطاع الأطفال عن الدراسة سنويا حوالي 100 ألف طفل. كما انتعش القطاع الموازي بإحداث رياض أطفال ومِؤسسات تربوية غير قانونية ومخالفة للبرنامج البيداغوجي الرسمي وتدريس مضامين إخوانية إرهابية تغريبية وتجسد ذلك في أبشع صوره بمدرسة الرقاب.
وأفاد المسح الوطني حول أوضاع الأم والطفل لسنة 2018 أن نسبة العنف المادي والمعنوي الأسري تجاه الأطفال بلغت 88 % فقد أضحت أوضاع الأسرة التونسية متوترة جراء ضعف قدرتها الشرائية وعجزها على تلبية أبسط الحاجيات الأساسية الصحية والغذائية والتربوية لأبنائها أو عدم توفر الخدمات وخاصة بالمناطق الداخلية. ولم تتجاوز نسبة التحاق الأطفال بمؤسسات الطفولة المبكرة 50.6 % أي أن نصف أطفال تونس لا يتلقون تربية قبل الدراسة وتنزل هذه النسبة إلى 27.6 % بالوسط الريفي مقابل 62.7 % بالوسط الحضري نتيجة الفوارق الجهوية.
ومن بين أسباب هذه المظاهر السلبية ازدواجية الإشراف على تربية الطفولة المبكرة أي من ثلاث إلى خمس سنوات حيث تحتضن الأطفال ثلاث مؤسسات: رياض الأطفال والكتاتيب والسنة التحضيرية. فوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن تشرف على رياض الأطفال حيث يخضع إحداث روضة أطفال إلى إيداع كراس شروط لدى مصالحها. وإذا أراد صاحب الروضة تدريس السنة التحضيرية عليه إيداع كراس شروط السنة التحضيرية لدى وزارة التربية التي تشرف على السنة التحضيرية. أما بالنسبة للكتاتيب فتخضع لإشراف وزارة الشؤون الدينية وفق برنامج بيداغوجي مطابق للبرنامج الرسمي. ورغم إقرار إستراتيجية متعددة القطاعات لتنمية الطفولة المبكرة وخطة تنفيذية مفصلة سنة 2018 إلا أنهت تسير بخطى بطيئة لعدم وجود آلية تنسيق حيث اقتصرت على إحياء رياض الأطفال البلدية وإحداث رياض أطفال مصغرة بمؤسسات الطفولة وبقي العديد منها غير وظيفي جراء تجميد الانتدابات تنفيذا لتوصيات المؤسسات المالية الأجنبية، إضافة إلى تنفيذ البرنامج النموذجي للتربية الوالدية وإحداث إجازة جديدة لتنمية الطفولة المبكرة.
إن العناية بالأطفال لا سيما في سن مبكرة تكتسي أهمية بالغة حيث أن تطور المهارات الحسية والحركية والذهنية تتحدد قبل ست سنوات وخاصة السنوات الثلاث الأولى علاوة على الجوانب الصحية والغذائية كتأمين العيادات الدورية والحصول على التلاقيح الضرورية وفق الرزنامة الوطنية وأهمية الرضاعة الطبيعية والغذاء المتوازن والضروري لنمو الطفل. وعليه فإنه من الضروري دعم الجوانب الوقائية وتطوير النصوص والتشريعية وتوفير الإمكانيات لمختلف المتدخلين. ويقترح أيضا إقرار منحة للأطفال في إطار تنفيذ الأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية. كما من الواجب إقرار إجبارية ومجانية السنة التحضيرية بكل المؤسسات التريوية العمومية وتنظيم قطاع رياض الأطفال وتعميمه على كل البلديات كي يقوم المرفق العمومي بدوره على أمل أن يحظى ملف الطفولة باهتمام الحكومة المنتظرة لتجاوز شوائب عشرية الخراب وما تخللها من ظواهر غريبة عن المجتمع التونسي ووضع خطط وحلول ناجعة بدءا بإرساء مجلس تنمية الطفولة واعتمادا على كفاءاتنا الوطنية لتأمين مستقبل أفضل لكل أطفال تونس.