نفايات بيئية أم أدران سياسية؟

‎طفت على الساحة هده الأيام مرة أخرى مشكلة الوضع البيئي الكارثي بسبب ما شهدته صفاقس من إغراق شوارعها على مدى أسابيع بأطنان من النفايات المنزلية. ولئن كان السبب المباشر هو غلق المصب المراقب بمنطقة “القنة” بمدينة “عقارب” غير أن قرار الغلق يعود إلى سنة 2019 دون أن تسعى السلطات المحلية إلى توفير بديل له بل واصلت استغلاله ممّا سرع في وتيرة بلوغ الأحواض المعدة للطمر الحد الأقصى لاستيعاب النفايات المتأتية من مختلف معتمديات الجهة. وقد تم قبل 25 جويلية 2021 بفترة قليلة إبرام اتفاقية بين ولاية صفاقس وبلدية المنطقة ووزارة الشؤون المحلية والبيئة تقضي بإحداث مصب جديد بمنطقة أخرى يستجيب للمواصفات وتمتد طاقة استيعابه على سنوات طويلة لكن هذه الاتفاقية بقيت حبرا على ورق على غرار العديد من العهود والالتزامات.

إن الكارثة البيئية التي تمر بها صفاقس هذه الأيام وعديد الحالات المشابهة التي سبقتها في جربة ونابل وبرج شاكير تعود أسبابها إلى غياب إرادة سياسية تعمل على إيجاد الحلول الجذرية بل تستبدلها بالتسويف والمماطلة وفي أفضل الحالات بالحلول الوقتية التي ترحل الأزمة لفترات زمنية لاحقة لكنها لا تقدم البديل الجذري الذي يخدم الوطن والشعب. فقد اتضح أن تفاقم المشكل البيئي لا يعود لمعطيات فنية وتقنية طارئة أو لقدرات بشرية ولوجستية عاجزة بل بسبب أدران سياسية صنعتها أحزاب حكمت البلاد خلال العشرية الماضية وسيطرت على السلطة التنفيذية والتشريعية ثم المحلية فبرهنت الأحداث على فشل خياراتها وعجز رموزها على توفير أبسط الخدمات رغم ترسانة التشريعات التي سنتها والدعاية السياسية والإعلامية التي صاحبتها.

ومن أهم هذه التشريعات مجلة الجماعات المحلية لسنة 2018 التي أنتجت مجالس بلدية عاجزة وتبين بعد تجربة ثلاث سنوات أن لا علاقة لها بالتنمية والعدالة بين الجهات أو بخدمة المواطن وتيسير إدارة الشأن المحلي بل شكلت في أغلب الأحيان تهديدا لوحدة الدولة وسيادتها. فقد أقدم العديد من رؤساء البلديات وخاصة منهم التابعين لحركة النهضة على ممارسات تمثل تمردا على السلطة الجهوية بدعوى تطبيق مبدأ التدبير الحر والحكم المحلي واستقلالية قرار المجالس البلدية. وبسبب هذه المفاهيم المغلوطة بين الهياكل المحلية والهياكل الجهوية التي تجد مرتكزا لها في الباب السابع من دستور 2014 عجزت أغلب المجالس البلدية على إيجاد الحلول المناسبة لمطالب دوائرها الانتخابية فسعت إلى التملص من مسؤولياتها وتحميلها إلى المصالح الجهوية تارة وإلى المصالح المركزية تارة أخرى. ولا يعتبر هذا التشخيص دفاعا على المصالح الجهوية أو المركزية أو تبريرا لتقصيرها لكن الثابت أن حالة النزاع بين مختلف السلطات وعدم التنسيق بينها بل حالة تمرد الهياكل المحلية على بقية الهياكل هدّد وحدة الدولة وأثر بصفة سلبية على أدائها في تلبية احتياجات المواطن في مختلف الخدمات وخاصة البيئة السليمة.

ولعل مشروع الأمر الرئاسي حول إلحاق هياكل وزارة الشؤون المحلية بوزارة الداخلية الذي تناوله بالدرس الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء يمثل خطوة جريئة تسمح بتصحيح مسار العمل البلدي وتقضي على مظاهر التشرذم وتفتيت مؤسسات الدولة حيث ورد في المشروع أن الهدف من هذا الإلحاق ضمان تصور موحد للتنظيم الإداري. ونرجو أن يوفر هذا الأمر الرئاسي شروط نجاح العمل البلدي وفي مقدمتها الموارد المالية والإمكانيات اللوجستية حتى يقوم بدوره في ضمان الحد الأدنى من الخدمات الأساسية خاصة في علاقة بتحسين البنية التحتية الضرورية وضمان استمرارية عملية رفع الفضلات بما ينعكس إيجابيا على المواطن من الناحية الصحية وحتى من الناحية النفسية وبما يساهم في دفع النمو الاقتصادي وتحسين المناخ الاجتماعي.

الشروق : 09 نوفمبر 2021

بقلم: الطاهر الهازل، مستشار بلدي

نفايات بيئية أم أدران سياسية؟
أنشره
الموسومة على: