
استغرب العديد من نواب مجلس الشعب المعلقة أعماله من حرمان بعضهم من الانتفاع بالعلاج المرتبط بإيقاف صرف منحهم البرلمانية تطبيقا للأمر الرئاسي عدد 117 في 22 سبتمبر الماضي. وقد استجابت رئاسة الجمهورية للحالات الصحية المستعجلة وهو أمر طبيعي إذ لا يمكن في مثل هذه الحالات ألا تطغى المشاعر الإنسانية بما يسمح بانتفاع كل فرد في المجتمع بحقه في العلاج مهما كان وضعه الاجتماعي أو الإداري وبقطع النظر على أي اعتبار آخر بما في ذلك الاعتبار السياسي. غير أن هذه الحادثة مناسبة للفت نظر النواب ولاسيما التابعين لأحزاب كانت تحكم قبل 25 جويلية 2021 والذين أبدوا استغرابهم مما حصل مع زملائهم بأن السلطات الصحية إنما قامت بتطبيق قانون سنه المجلس الذي كانوا منتمين له وهو نفس القانون الذي يطبق على كافة التونسيين.
وليكن في علمهم إن لم يكونوا يعلمون أن الصندوق الوطني للتأمين على المرض سبق أن رفض خلال السنوات الماضية تجديد بطاقات علاج العديد من المضمونين الاجتماعيين بدعوى عدم تصريح مؤجريهم بأجورهم أو بتعلة عدم دفع مساهماتهم أو بذريعة تجاوزهم السقف بالنسبة لمن هم منتمون إلى المنظومتين العلاجيتين الخاصة واسترجاع المصاريف. وليعلم كل من كان عضوا في السلطة التشريعية أن التشريع التونسي ما زال يقصي من الحماية الاجتماعية العاطلين عن العمل. ولئن أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد في جانفي 2018 على تمكين العاطلين عن العمل من التمتع بالعلاج المجاني من خلال بطاقات تسند لهم الى غاية حصولهم على عمل فإن هذا القرار ظل بعد مرور أربع سنوات حبرا على ورق.
ومن بين هؤلاء نجد الآلاف من الدكاترة الباحثين ومثلهم من أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم وغيرهم. وقد كشفت دراسة أنجزها مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية سنة 2019 أي عند صعود هؤلاء النواب إلى البرلمان أن 17,2 في المائة من مجموع المواطنين في تونس لا تشملهم التغطية الاجتماعية. كما وجب التذكير أن الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل والتي تمثل مع أفراد عائلاتها ما يناهز ثلث الشعب التونسي ليس لها الحق في الانخراط في النظام القاعدي للتأمين على المرض الذي يضم المنظومات العلاجية الثلاث وينحصر حقها في العلاج على المؤسسات العمومية للصحة التي لا يخفى على أحد وضعها الكارثي اليوم بعد رفع الدولة يدها عنها. وتضاف لهؤلاء فئات أخرى تم تشغيلها بطريقة هشة لا تنتفع سوى بالفتات من الحماية الاجتماعية على غرار عملة الحضائر والمعلمون والأساتذة النواب في حين أنهم يشتغلون لدى الدولة. وما زال 90 بالمائة من الأجراء الخاضعين لنظام الأجراء في القطاع الفلاحي محرومين من التغطية الاجتماعية رغم ما يمثله هذا القطاع من أهمية في التشغيل.
إن الحق في الحماية الاجتماعية حق من حقوق الإنسان سواء كان نائب شعب أو مواطنا عاديا ويندرج ذلك في التوجه الجديد نحو اعتماد شمولية الحماية الاجتماعية الذي أصبحت تعمل به أغلب بلدان العالم اعتمادا على المعاهدات والاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومن أهمها الاتفاقية الدولية عدد 102 لسنة 1952 المتعلقة بالمعايير الدنيا للضمان الاجتماعي والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966. ومن آخر المراجع الدولية التوصية عدد 202 لسنة 2012 المتعلقة بالأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية التي تكرس شمولية الحماية الاجتماعية وهو ما يتطلب من سلطة ما بعد 25 جويلية اعتمادها خاصة بعد بيان رئاسة الجمهورية الصادر في نهاية الشهر الماضي الذي أشار إلى ” إمكانية صياغة تصور جديد للضمان الاجتماعي حتى لا يبقى أحد من دون إحاطة اجتماعية مهما كان مركزه ومهما كانت أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية”.
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 12 نوفمبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”