هل من بديل للمعطلين عن القانون الثامن والثلاثين؟

شهد القانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي مسارا شبيها بالجنين الذي أصيب بتشوهات منذ كان في بطن أمه والذي وُلد قبل الأوان بطريقة قيصرية مما جعل حضانته متعبة وحظوظ بقائه على قيد الحياة ضئيلة. فقد صدر القانون في شهر جويلية سنة 2020 في ظل مناخ سياسي متعفن طغت عليه الصراعات السياسية العبثية فكانت صياغته ملغومة بالثغرات القانونية من بينها مخالفة مقتضيات الفصل 63 من الدستور المتعلق بالانعكاسات المالية للانتداب والسكوت على كيفية توزيع الانتدابات على أصناف المعطّلين المعنيين وغيرها.

لذلك بقي القانون في غرفة الإنعاش لمدة تجاوزت السنة حتى جاء قرار رئيس الجمهورية في نوفمبر الماضي بعدم تفعيله ليحدث صدمة لدى المعطّلين أفقدتهم بصيص أمل كان يقطع عنهم ظلمة ليل بطالة طالت أكثر من اللزوم. ويبدو أن غضبهم وعودتهم إلى الاحتجاجات مؤخرا لا يعود بالضرورة إلى تمسكهم بالقانون عدد 38 بل بسبب بقاء بقية الأبواب مغلقة أمامهم بعد سدّ باب الانتداب في القطاع العمومي. فقد ظل قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني الصادر منذ جوان 2020 غير قابل للتطبيق بسبب عدم إصدار أوامره الترتيبية وما زالت الشركات الأهلية أشبه بالخيال العلمي ويستمر اعتماد تربصات وعقود الإعداد للحياة المهنية أداة للتشغيل الهش في ظل ضعف مراقبة الهياكل المختصة. كما يتواصل العمل بإجراءات تشجع على البطالة أو على التحيّل مثل تلك التي وردت في المرسوم المؤرخ في 27 افريل 2011 المتعلق بفتح المناظرات للانتداب في القطاع العمومي لفائدة المترشحين العاطلين عن العمل والأمر المؤرخ في 14 ماي 2011 المتعلق بنفس الموضوع والمنشور الصادر عن الوزير الأول بتاريخ 19 سبتمبر 2011.

فالنصوص المذكورة تشترط عدم الانخراط في الصناديق الاجتماعية للانتداب في القطاع العمومي مما أدى إلى تنامي ظاهرة عدم التصريح إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باتفاق بين المؤجر والأجير حتى لا يفقد المترشح أحد شروط الانتداب. لكن البكاء على الأطلال لا يبعث موطن شغل واحد مما يفرض اليوم البحث عن حل بديل ينطلق من جرد للمعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا للتعرف على عددهم الحقيقي واختصاصاتهم ثم ترتيبهم تفاضليا اعتمادا على معايير مثل سنة التخرج وسن المتخرج على أن يصاغ بصفة موازية تصور شامل ومتكامل للتشغيل في القطاعات الثلاث: الوظيفة العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية والقطاع الخاص. ولا يمكن إقصاء فرضية الانتداب في القطاع العمومي حيث أن هاجس توازنات المالية العمومية يمكن حله بمجهود أدنى يتمثل في توسيع قاعدة الخاضعين للضريبة واستيعاب القطاع غير المنظم وتدعيم المراقبة الجبائية وسيطرة الدولة على إنتاج الثروات الطبيعية.

وفيما يتعلق بمسألة ارتفاع عدد أعوان الوظيفة العمومية فتبقى نسبية طالما تظل بعض القطاعات مثل الصحة والتعليم تشكو نقصا فادحا. أما بالنسبة لعائق للسن القصوى للانتداب فقد حصلت سابقا عدة استثناءات منها الإعفاء في السن لمدة عشر سنوات بمقتضى الأمر المؤرخ في 20 جويلية 2012. ولا يمثل موضوع تقدم سن المعطلين بما قد يحرمهم من توفر شروط الحصول على جراية تقاعد عند انتدابهم في القطاع العمومي أي إشكال بعد أن تم الترفيع في السن القانونية للإحالة على التقاعد إلى 62 مع إمكانية التمديد إلى 65 بمقتضى القانون المؤرخ في 30 افريل 2019 علما وأن هذا الامتياز سبق أن تمتع به المنتفعون بالعفو العام سنة 2012 عندما كانت السن القانونية 60 سنة.

وهناك حلول أخرى في حالة وجود فترات عمل سابقة وذلك في إطار تسوية حقوق المنتفعين بتغطية عدة أنظمة قانونية للشيخوخة والعجز والوفاة التي جاء بها القانون المؤرخ في 21 جانفي 2003. إن البديل ممكن بل ضروري ويستوجب من جانب الحكومة فتح قنوات الحوار مع المعطلين ومن جانب هؤلاء توحيد صفوفهم والاستناد إلى منظمة اجتماعية قوية خبيرة بملفات التشغيل ومتمكنة من فن التفاوض مثل الاتحاد العام التونسي للشغل.

بقلم د. بدر السماوي – الشروق : ” نافذة على الوطن” 4 مارس 2022 –

هل من بديل للمعطلين عن القانون الثامن والثلاثين؟
أنشره