” كلنا بشر، كلنا متساوون” كان ذلك شعار هذه السنة لإحياء ذكرى الإعلان العالمي حول حقوق الانسان. وقد عجت وسائل الإعلام والمنابر السياسية والحقوقية يوم العاشر من هذا الشهر والأيام التي تلته بالبيانات والتحاليل وتعددت التظاهرات سواء منها المشيدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمكاسب التي تحققت بفضله أو المستنكرة لتدهور واقع حقوق الانسان والانتهاكات المتكررة لها وبقاء الإعلان حبرا على ورق رغم مرور ثلاثة أرباع القرن على صدوره. إلا أن كلا الموقفين لم يشيرا إلا ما ندر إلى ما يحدث في فلسطين على أيدي المجرمين الصهاينة من تصاعد عمليات سلب للأراضي وتجريف للممتلكات واقتلاع للأشجار وهدم للبيوت ولم يتم التنديد بالمداهمات والاعتقالات والتعذيب والتنكيل والزج في السجون وإطلاق النار والغاز السام وإسقاط الشهداء والتنكيل بالأطفال والنساء والشيوخ.
ومن بين أفدح أشكال انتهاك حقوق الانسان في فلسطين ما يسمى ب ” الاعتقال الإداري” والمتمثل في الحبس دون تهمة بما يمثل مظلمة تاريخية لا تمت للإنسانية بصلة. وقد اضطر الفلسطينيون الذين يسلط عليهم هذا الإجراء الهمجي إلى الاضراب عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحهم وآخرهم الأسير هشام أبو هواش الذي يدخل في اليوم رقم 123 بعد أن خاض قبله عدة مناضلين معركة الأمعاء الخاوية توجت أهمها بإطلاق سراح الأسير كايد الفسفوس بعد 138 يوما من الإضراب عن الطعام. ولا تقتصر معارك الأمعاء الخاوية على ” المعتقلين إداريا” بل يخوضها حاليا 4650 أسيرا حُكم على بعضهم بعشرات المؤبدات ويقبعون في ظروف قاسية خاصة المرضى منهم الذين لا يتلقون الحد الأدنى من العناية والعلاج بل إن الصهاينة يتفننون في ابتكار أشكال التعذيب والتنكيل وكسر الإرادة وتحطيم المعنويات والحرمان من أبسط الحقوق التي تنص عليها الاتفاقات الدولية ومنها اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب الصادرة سنة 1949 والتي ينص أحد بنودها على حسن معاملة الأسرى والتكفل برعايتهم الصحية. وترتكب هذه الانتهاكات لحقوق الانسان في فلسطين بأسلحة وتمويل أمريكي. وتواصل الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام ممارسة النفاق بالادعاء بالتمسك باحترام حقوق الانسان حيث قررت مقاطعة دورة الألعاب الاولمبية الشتوية المقرّرة في بكين بسبب ما ادعته من «مخاوف» بشأن سجل حقوق الإنسان هناك وكالعادة سرعان ما انضمّ إليها حلفاؤها في النفاق مثل انكلترا وفرنسا ذلك أن تعريف حقوق الإنسان يختلف لديهم بين الصين وفلسطين.
إن المطالبة باحترام حقوق الانسان في فلسطين وفضح جرائم الكيان الصهيوني لا تمثل بديلا عن النضال من أجل تحرير أرض فلسطين وحق العودة لأهلها بل تهدف إلى كشف نفاق البلدان التي ترفع لواء الدفاع على حقوق الإنسان مثلما ترمي إلى فضح دعاة التطبيع العربي ومكرسيه الذين يبررون خيانتهم بالاقتداء بهذه البلدان وبصنيعتها الكيان المحتل. كما أن تحرر الأسرى من السجون الصهيونية من شأنه أن يخفف عنهم المعاناة والعذاب ويسمح لهم بالانتقال من ساحة من المعركة إلى ساحة أخرى تتوفر فيها الحجارة والمقلاع والبندقية مدعومين من القوى الوطنية العربية التي لم تتأخر منذ اغتصاب فلسطين سنة 1948، وهي نفس السنة التي صدر فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على تقديم أبنائها قربانا من أجل فلسطين. ومن بين هؤلاء الشاب البطل التونسي عمر قطاط أصيل جزيرة قرقنة الذي تحل بعد أربعة أيام ذكرى استشهاده التاسعة والعشرون لما كان سنة 1992 بصدد إيصال الإمداد والمؤونة للمبعدين الفلسطينيين في مرج الزهور بالجنوب اللبناني للمساهمة في دعم وتعزيز صمودهم في مواجهة العدو الصهيوني. فلتكن ذكراه مناسبة لدعم قضية الأسرى وفرصة لفضح دعاة التطبيع ودعم خيار المقاومة حتى تتحرر فلسطين ويعود الفلسطينيون إلى ديارهم ويحق القول ” كلنا بشر، كلنا متساوون”.
بقلم د. بدر السماوي، صدر بجريدة الشروق بتاريخ 17 ديسمبر 2021