هل يمكن لمنظمة نقابية أن لا تنحاز إلى فلسطين؟

بقلم د. بدر السماوي – جريدة الشعب : 26 أكتوبر 2023

قد يبدو الجواب بديهيا لكن ما فرض طرح هذا التساؤل الموقف الصادر مؤخرا عن الاتحاد الدولي للنقابات والمستنكر لعملية طوفان الأقصى وللحق الفلسطيني والمساند للكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين بعد أن أوغل في ارتكاب جرائم شنيعة ضد الشعب الفلسطيني وخاصة ضد الأطفال والنساء. ولم يتردد الاتحاد العام التونسي للشغل وأمينه العام نور الدين الطبوبي في الرد على الموقف المذكور واضعا قضية فلسطين خطا أحمر لا يمكن التسامح فيه مع أيّ كان مهما كانت مكانته.

غياب الحد الأدنى

استغرب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في رسالته الموجهة الأسبوع الماضي إلى الاتحاد الدولي للنقابات كيف لم تحرك مشاهد الدمار في غزة مشاعر القائمين على الاتحاد الدولي معتبرا موقفه من العدوان على غزة ” فاقدا للموضوعية” ومنحازا للاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. فقد ضرب موقف هذه المنظمة النقابية الدولية بعرض الحائط قرارات مؤتمر برلين سنة 2014 التي تضمنت إدانة لاحتلال فلسطين ودعوة لتطبيق القرارات الدولية الخاصة بالحق الفلسطيني بما فيها قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس وإدانة جدار الفصل العنصري والدعوة إلى وقف المستوطنات وتفكيكها والدعوة إلى إعمار غزة.

وهكذا يتضح أن المطلوب من الحركة النقابية العالمية ليس تبنّي تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وإزالة استعمار بشع يمثل وصمة عار في جبين الإنسانية وهو مطلب يبقى قائما ومحبذا بل على الأقل توفر الحد الأدنى من مبادئها كالعدالة والمساواة والدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق السلام. فقد بلغ سيل العدو الصهيوني الزبى خلال العقود الأخيرة فتحول استقلال فلسطين وقيام دولتها إلى ابتلاع الضفة الغربية وتمزيقها إربا إربا بالمستوطنات والطرق الالتفافية وفصلها على غزة وفرض حصار قاتل عليها مع تنفيذ حملات تطهير عرقي وقتل وتعذيب واعتقال وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية.

حقيقة الهستدروت

يدعي البعض أن ” الهستدروت” منظمة نقابية كمثيلاتها في العالم لا مانع من التعامل معها. لكن فات هؤلاء أن النقابة المزعومة تأسست في حيفا سنة 1920 مع أول طلائع تسلل المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين بحماية الانتداب البريطاني حيث أعلنت نفسها “نقابة عمال يهودية” وهي تساهم منذ ذلك الحين في بناء المستوطنات والكيبوتزات .وهي تشرف حاليا على نحو 60 % من الإنتاج الزراعي و50% من الصناعة الثقيلة و 25 % من الإنتاج الصناعي و45 % من أعمال البناء و 39% من وسائل النقل أي أنها تسيطر على ربع الإنتاج ” القومي” داخل الكيان المغتصب. وتشترك في بعض المواقع مع رأس المال الحكومي والخاص المحلي والأجنبي في مشاريع بالداخل وحتى الخارج خاصة في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . وللهستدروت بنك خاص به ومؤسسات كبيرة للخدمات الصناعية والاجتماعية أي أنه أكبر مؤسسة أعراف داخل الكيان الصهيوني فضلا على أنه مؤسسة احتلال وتمرير السياسة الصهيونية بامتياز . ومن آخر مواقفه دعوة رئيسه ” أرنون بار دافيد” يوم 9 أكتوبر الماضي أي بعد يومين من ملحمة طوفان الأقصى إلى ” تكوين حكومة طوارئ وطنية متماسكة وموحدة في هذا الوقت العصيب”. وها نحن نجني ثمار دعوات الهستدروت من خلال المجاوز الهمجية اليومية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني.

على درب حشاد والتليلي وعاشور

مثّل الموقف الأخير للاتحاد العام التونسي للشغل تواصلا مع مواقف مماثلة من أبرزها ما قام به الزعيم الوطني والنقابي الحبيب عاشور في جوان 1983 عندما انتفض على موقف “الجامعة العالمية للنقابات الحرة” أي السيزل” سابقا حين رفضت تنظيم ندوة نقابية دولية لإدانة جرائم الاحتلال الصهيوني فكان الرد مدويّا وهو تجميد العلاقة بهذه المنظمة النقابية الدولية ما جعلها تتراجع لاحقا على موقفها. ولم يكن ما قام به عاشور سوى مواصلة لما سطره الشهيد فرحات حشاد الذي كان عضوا في اللجنة التونسية العليا لإنقاذ فلسطين التي تأسست في ماي 1948 وكان يشرف بنفسه على إرسال المتطوعين إلى فلسطين والعناية بعوائل من استشهد منهم. وساهم أحمد التليلي بدوره في نفس المجال عبر تكوين لجنة جهوية لمساعدة فلسطين في قفصة في جوان 1948 التي تولت طبع مقتطعات تبرع ونظمت جمع الأموال كما دفع فوج الجوالة التابع للكشافة في قفصة للتطوع بكامل أفراده إلى فلسطين.

النقابة وفلسطين توأم

إن الحركة النقابية العمالية مبنية على الدفاع على الحقوق الاقتصادية والعمالية للعمال بما يعني أنها تنحاز موضوعيا إلى كل من يدافع على حقه خاصة إذا تعلق الأمر بحقه في استرجاع أرضه المغتصبة وهو ما ينطبق تماما على فلسطين بما يفرض على كل حركة نقابية حرّة أن تقاطع هذا الكيان الإجرامي و تشطب” الهستدروت” من قاموس النقابات وتمنع عمال العالم من شحن أية سلعة نحو نظام “الأبارتيد” في نسخته الجديدة وبذلك تكون الحركة النقابية في موقعها الطبيعي إلى جانب الحق الفلسطيني.

هل يمكن لمنظمة نقابية أن لا تنحاز إلى فلسطين؟
أنشره
الموسومة على: