بقلم د. بدر السماوي: الشروق – 18 ديسمبر 2023

أصبح يوم السابع عشر من ديسمبر منذ أربع سنوات بقرار من رئيس الجمهورية عيدا وطنيا في نفس مرتبة أعياد الاستقلال والجمهورية والشهداء. ولا يصح اليوم اختصار التاريخ في حادثة معروفة حصلت سنة 2010 بل يجب النظر لها في رمزيتها وخاصة ما يتعلق بسقوط العديد من أبناء تونس شهداء وجرح عدد آخر في ظروف لم يقع الكشف حتى اليوم على ملابساتها والأطراف التي تقف وراءها. فقد ظلت عدة أسئلة دون جواب مثل هوية ما عرف بالقناصة ونوعية الرصاص الذي وقع استعماله وغيرها من الألغاز التي أضيفت لها لاحقا عمليتا اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وضحايا العمليات الإرهابية وشبكات التسفير وغيرهما. ورغم تشكيل لجنة لاستقصاء الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات التي حدثت بين ديسمبر 2010 وجانفي 2011 إلا أن حكومات ما بعد تلك الأحداث أصرت على عدم نشر قائمة الشهداء والجرحى رغم مطالبات عائلات الشهداء والجرحى أنفسهم واحتجاجاتهم .


ولئن كانت المطالب التي خرج من أجلها الشعب آنذاك والتي سقط بسببها الشهداء وأصيب الجرحى عكست استحقاقات اجتماعية مشروعة وتوجت نضالات امتدت على سنوات فهذا لا ينفي تورط جهات أجنبية في تأجيج الأوضاع والإيهام بحلول ” ربيع ” مُحاولةً استنساخ تجربة ربيع براغ وإسقاطها على تونس. وحيث أن الأمور بخواتيمها فقد أكدت التجاذبات والصراعات التي عرفتها البلاد لاحقا شبهات مؤامرة خارجية مهّدت الطريق لاختراق السيادة الوطنية وتهب خيرات البلاد.
وبقدر التكتم على عدة أسرار والسعي إلى قبر الكثير من الجرائم من قبل من كانوا مورطين فيها بقدر ما أقدم رئيس الجمهورية منذ انتخابه سنة 2019 على نفض الغبار على الملفات المقبورة وكشف الحقيقة. فقد أذن بتاريخ 19 مارس 2020 بنشر القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها والتي ضمت 129 شهيدا و 634 جريحا. ثم أصدر رئيس الجمهورية مرسوم إحداث مؤسسة ” فداء” بتاريخ 9 افريل 2022 وأوكل لها مهمة الإحاطة بفئتين أولهما ضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان الأمن الداخلي والديوانة وثانيهما أولو الحق من شهداء الثورة وجرحاها. ومن أهم ما ورد في المرسوم إسداء منافع اجتماعية مثل الإحاطة الصحية والجرايات.
ففيما يخصّ أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها فيتمتعون بالعلاج المجاني بالهياكل الصحية العمومية بما في ذلك المستشفيات العسكرية ومستشفى قوات الأمن الداخلي وبالتكفل بمصاريف علاج الجرحى بالمؤسسات الصحية الخاصة أو خارج الوطن عندما تستوجب الحالة الصحية ذلك. وتسند للجريح المصاب بسقوطٍ جرايةٌ شهرية تتراوح بين مرة وثلاث مرات الأجر الأدنى حسب نسبة الضرر بينما تُسندُ لأولي الحق من شهداء الثورة جراية شهرية يساوي مبلغها ثلاث مرات الأجر الأدنى.
تلك كانت الذكرى أما العبرة فإعلاء مكانة الاستشهاد في سبيل الوطن الذي سبق أن كرسه آباؤنا وأجدادنا في مقاومتهم للاستعمار الفرنسي والذين رووا بدمائهم الزكية تراب تونس حتى تحصل على استقلالها ونذكر منهم محمد الدغباجي والبشير بن سديرة ومصباح الجربوع وفرحات حشاد والهادي شاكر وغيرهم. وقد أشاد رئيس الجمهورية بتضحياتهم مؤخرا بمناسبة إحياء الذكرى الستين لعيد الجلاء مؤكدا أن تونس لن تنسى أجيالا من الشهداء ضحّوا بحياتهم مخلصين للوطن.
ويضاف لهؤلاء شهداء العمليات الإرهابية بعد سنة 2011 الذين أنقذوا البلاد من العودة إلى الظلمات فقد صدرت قائمتهم بمقتضى الأمر الحكومي المؤرخ في 7 أفريل 2021 وضمت الشهداء والجرحى من العسكريين الذين استشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني نتيجة للتضحيات التي بذلوها في إطار واجبهم المهني خلال الفترة ما بين 17 ديسمبر 2010 و 28 فيفري 2011 وذلك تكريما لهم واعترافا بما بذلوه من جهود في سبيل الحفاظ على كيان الدولة وحفظ الممتلكات العامة والخاصة والمساهمة الفعالة في استتباب الأمن واستقرار البلاد. وضمت القائمة 6 من الشهداء و 32 من الجرحى.
وأخيرا وفي خضم ما يخوضه الشعب الفلسطيني البطل منذ انطلاق طوفان الأقصى وفي إطار مساندة تونس للحق الفلسطيني لا بد من التنويه بهذه المناسبة بشهداء تونس من أجل فلسطين الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين منذ الأفواج الأولى التي تطوعت سنة 1948 وسار على دربهم أبطال آخرون وخاصة بعد الانتفاضة الأولى سنة 1987 التي اندلعت بعد أيام قليلة من عملية الطائرة الشراعية التي كان أحد أبطالها الفدائي التونسي ميلود بن ناجح نومة. ويستحق هؤلاء اليوم إعادة الاعتبار لهم مثلما أعاد رئيس الجمهورية الاعتبار لبقية الشهداء وهو الذي أكد العهد على ” مواصلة مسيرة النضال من أجل تحرير كامل الوطن المحتل بالجماهير العربية معبأة ومنظمة ومسلحة وبالحرب الثورية طويلة الأمد حتى تحرير فلسطين’ ومستجيبا لشعار ” الشعب يريد تحرير فلسطين”.
فليكن السابع عشر من ديسمبر هذه السنة والمتزامن مع اليوم السبعين من انطلاق طوفان الأقصى يوم الوفاء للسابع من أكتوبر ولتكن تونس توأم فلسطين وهي أهم عبرة نأخذها من الماضي ونستفيد بها في الحاضر ونضيء بها المستقبل.
الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والعزة لتونس والنصر لغزة والحرية لفلسطين.

17 ديسمبر: في هذه الذكرى أكثر من عبرة
أنشره