بقلم د. بدر السماوي
صدر بجريدة الشروق في عددها بتاريخ 10 سبتمبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”
كشفت الزيارات التي قامت بها وفود أمريكية إلى بلادنا خلال الأسابيع الأخيرة تباينا واضحا في تعامل الأطراف السياسية التونسية مع التدخل الأمريكي في علاقة مع القرارات الرئاسية المتخذة يوم 25 جويلية الماضي. فقد دعا المسؤولون الأمريكيون إلى ما سموه العودة السريعة إلى المسار الديمقراطي والتعجيل بإنهاء حالة الطوارئ مما يدل على عدم ارتياحهم لقرارات الرئيس قيس سعيد وتمسكهم بدستور 2014 الذي ساهم في صياغته مواطنهم الصهيوني ” نوح فيلدمان ” مستشار الحاكم السابق للعراق ” بريمر” والمنظر لصعود الإسلاميين إلى السلطة في عدة أقطار عربية. وقد رد على هذا الموقف الرئيس قيس سعيد بتجديد تمسكه بقراراته ورفضه العودة إلى ما قبل 25 جويلية معتبرا أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها تستجيب لإرادة شعبية واسعة ومؤكدا على أن تونس دولة ذات سيادة متهما بعض الأطراف بالولاء للخارج.
وما يهمنا في هذا الجدل مواقف الأطراف السياسية والاجتماعية في تونس من التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي والتي انقسمت بين الاستقواء بالأجنبي والدفاع عن السيادة الوطنية. وقد أبدت حركة النهضة التي تتزعم معسكر الاستقواء بالأجنبي ابتهاجها بقدوم الوفود الأمريكية بل إن المعلومات تفيد بدورها في توظيف وسائل ضغط وتمويلها بعد أن قام ” سفيرها” لدى أمريكا المدعو المصمودي بحملة تأليب ضد تونس في مسعى لدعم موقفها من اعتبار قرارات 25 جويلية انقلابا. وانضم إلى هذا المعسكر مجموعة من أشباه المثقفين بجلوسهم في مائدة مستديرة مع السفير الأمريكي بدعوى نقاش الوضع في تونس معولين في حل المشاكل الداخلية على ” ماما أمريكا” في حين أنها سبب البلية بدعمها على مدى عشرية كاملة لحركة النهضة وتوابعها.
أما المعسكر الثاني فقد استنكر الاستقواء بالأجنبي رافضا الدعوات التي وجهت له لحضور لقاءات مع الوقود الأمريكية حيث أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان أحد قيادييه أن ما حدث يوم 25 جويلية ليس انقلابا وقال قيادي آخر أن الشأن التونسي لا يحل إلا بين التونسيين مشددا على أن المنظمة لن تقبل لوبيات الضغط التي يمارسها المدعو المصمودي باسم حركة النهضة. وجدد الحزب الدستوري الحر موقفه الرافض للتدخل الأمريكي في الشأن التونسي الذي يأتي من منطلق إيمانه بحق الشعب التونسي في تقرير مصيره وفي إطار احترام السيادة الوطنية التي تقتضي معالجة الأزمات السياسية الداخلية صلب الأطر التونسية-التونسية. وعلى غرار هذين الهيكلين التقت عدة منظمات وأحزاب على مواقف وطنية مشرفة جوهرها رفض الاستقواء بالأجنبي والدفاع على السيادة الوطنية.
غير أن أحزابا وشخصيات أخرى لجأت إلى أسلوب الازدواجية بالفصل بين الموقف من قرارات 25 جويلية والموقف من التدخل الأجنبي مثل اعتبار أحد الأحزاب اليسارية تفعيل الفصل 80 انقلابا ثم تنظيم وقفة احتجاجية ضد التدخل الأمريكي في الشأن التونسي. ولم ير أحد النواب المجمدين حرجا في المشاركة في لقاء مع الأمريكيين لنقاش طبيعة ما حصل يوم 25 جويلية رغم تصريحه في الآن نفسه بأن هؤلاء لا حق لهم في البت فيما إذا كان انقلابا أم لا. كما أمضى أحد ” المثقفين ” على عريضة تطالب برفض التدخلات الأجنبية بعد أيام فقط من مشاركته في المائدة المستديرة مع السفير الأمريكي.
لقد زادت المواقف من قرارات 25 جويلية في فضح تورط البعض في ثرى الاستقواء بالخارج والخنوع له مما عجل بسقوطهم السياسي بصفة نهائية مقابل إشعاع ثريا الانتماء والتمسك بالسيدة الوطنية الذي بعث أملا جديدا في التونسيين. لكن دعم هذا التوجه ومنع العودة إلى الوراء يتطلب من رئيس الجمهورية التعجيل بتركيز مؤسسات الدولة ومن الأطراف الوطنية نبذ خلافاتها لقطع الطريق أمام الضغوطات الأجنبية وإفشال مناورات أعوانها.