
بقلم د. بدر السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 30 جويلية 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”
يعتبر قرار رئيس الجمهورية بتجميد عمل المجلس النيابي واختصاصاته ورفع الحصانة على النواب من أهم القرارات المتخذة يوم 25 جويلية الماضي بعد أن أصبح مجلس نواب الشعب أبرز عنصر فشل في المنظومة السياسية التي حكمت البلاد منذ سنة 2011. ولئن تصدى بعض النواب داخله وخاصة نواب كتلة الحزب الدستوري الحر لما تقوم به حركة النهضة وحلفاؤها من مؤامرات ضد الشعب والوطن إلا أنهم لم يتمكنوا سوى من تعطيل بعض مخططاتها بسبب اختلال ميزان القوى. ومن أخطر ما تم ارتكابه من جرائم خاصة في الفترة الأخيرة تدخل منظمات أجنبية مشبوهة في عمل المجلس وفي مقدمتها المعهد الديمقراطي الأمريكي المعروف تحت اسم NDI مما يستوجب التعريف بدوره الخطير الذي لم يقتصر على تونس بل شمل 130 بلدا على الأقل.
فقد تأسس هذا المعهد في واشنطن سنة 1983 وترأسه مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ويقوم بإدارته الحزب الديمقراطي الأمريكي. وهو تابع إلى المؤسسة الوطنية للديمقراطية التي تضم ثلاثة هياكل أخرى وهي المعهد الجمهوري الدولي ويقوم بإدارته الحزب الجمهوري الأمريكي والمركز الأمريكي للتضامن مع العمال ومركز الشركات الخاصة الدولي. وقد جاء إحداث هذه الهياكل تلافيا للأخطاء السابقة لوكالة المخابرات الأمريكية التي تورطت بصفة مباشرة خلال أكثر من ثلاثة عقود تلت الحرب العالمية الثانية في زعزعة أمن بعض الأنظمة واستقرارها بدعوى مناهضة الشيوعية وتقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي مثلما سعت لتقويض أنظمة أخرى ديمقراطية تعارض السياسة الخارجية الأمريكية. وتعمل هذه الهياكل تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وبتوجيهات من وزارة الخارجية الأمريكية وتمولها الحكومة الأمريكية مما يفند تقديمها على أنها منظمات غير حكومية.
وقد وضع المعهد ضمن أولويات تدخلاته البلدان العربية بسبب ثرواتها الكبيرة وموقعها الاستراتيجي في إطار صراع الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا والصين وبهدف توفير أمن الكيان الصهيوني مستعملا مبررات زائفة مثل نشر الديمقراطية والإسلام المعتدل ومختفيا تحت عناوين الأعمال الإنسانية والخيرية التي تصب في خدمة مفهوم الديمقراطية من منظور الثقافة الأمريكية. ويتفنن هذا المعهد في التمويه على أهدافه الحقيقية بالتركيز على مواضيع تبدو محايدة وبعيدة عن الشأن السياسي مثل حقوق المرأة وحقوق الأقليات بما في ذلك حقوق المثليين. وقد انكشفت حقيقة هذه الحيل في أكثر من بلد وتبين زيف الديمقراطية التي تروج لها زعيمة الإرهاب العالمي التي ما انفكت تساند الكيان الصهيوني في مزيد احتلال الأراضي في فلسطين وارتكاب الجرائم ضد شعبها. كما افتضح دور المعهد الديمقراطي الأمريكي نقلا على نشريته الصادرة سنة 2014 بمناسبة مرور ثلاثين سنة على إنشائه في تدخله في سورية حيث أقر بأنه كان يتعامل مع ما سماه بالمعارضة السورية منذ سنة 2005 مثلما قام بعد 2011 بدعم ما سماه بالثورة في سورية وذلك بمساعدة المجالس المحلية على كيفية توفير الخدمات الأساسية من كهرباء وماء في المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون.
وإلى جانب ذلك يتدخل المعهد في شؤون بعض الدول من خلال العمل البرلماني وهو ما حصل في تونس حيث كشف الحزب الدستوري الحر السنة الماضية عن تسديد المعهد لأجور مساعدين للكتل البرلمانية مقابل كتابتهم لتقارير لفائدة جهات أجنبية. كما يتدخل بعض الخبراء الأجانب بدعوى التأطير والتوجيه بمناسبة صياغة مشاريع القوانين. وقد دافع نواب حركة النهضة على هذا التعامل تحت تعلات مختلفة مما يطرح بمناسبة فتح ملف مجلس نواب الشعب التحقيق والتدقيق في علاقته بالمنظمات الأجنبية المشبوهة والتي لا تقل خطورة على جرائم التهريب وتبييض الأموال والرشاوي.