أيّ نصيب للتشغيل في اهتمامات 25 جويلية ؟

ما انفك منسوب الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل يرتفع خلال الأسابيع الأخيرة وقد يعرف مزيدا من التصعيد في قادم الأيام بعد أن ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 18 بالمائة في نهاية سنة 2021. ويتعلق الأمر بعدة فئات اجتماعية من بينها المنتفعون بالآلية 20 وهم الذين كانوا يعملون بالجمعيات والتي اندثر أغلبها بعد 2011 مما جعلهم يطالبون بإدماجهم في الوظيفة العمومية والوزارات الراجعة بالنظر لموطن عقودهم. ويضاف إليهم المعطلون عن العمل ممن طالت بطالتهم بسبب سدّ الأبواب أمامهم بعد قرار رئيس الجمهورية عدم تفعيل القانون عدد 38 المتعلق بالانتداب في القطاع العمومي وغياب التفاعل مع مبادرة قدموها بديلا للقانون المقبور.

أما الدكاترة الباحثون فقد أحيوا هذه الأيام الذكرى الأولى لاجتماع مجلس الوزراء الذي اتخذ قرارا بإدماجهم في النسيج الاقتصادي وفي هياكل البحت العلمي دون أن يلحظوا أثره في الواقع بل إن المناظرة التي تم الإعلان عنها مؤخرا اقتصرت على ما يناهز ألف مركز فقط بما يمثل عُشُر المتناظرين. أمّا عملة الحضائر ممن سنهم بين 45 و55 سنة فمستاؤون من تلكؤ الحكومة في انتدابهم أو في تمكين الراغبين منهم في الخروج الطوعي من صك مغادرة في حين حظي زملاؤهم ممن سنهم دون 45 سنة بضبط القائمة النهائية وتنزيلها على المنصة الرقمية دون أن يكونوا مرتاحين تماما لمدى التزام الحكومة بالوفاء بوعودها بعد تعرضهم لعدة نكسات.

وقد كانت هذه الفئات أوقفت احتجاجاتها مباشرة بعد 25 جويلية 2021 وانتظرت تشكيل الحكومة والإعلان عن برنامجها وخاصة ميزانية الدولة لسنة 2022 مانحة السلطة مهلة امتدت على ما يناهز نصف السنة على أمل الاستجابة لمطالبها. إلا أنها لم تشهد أي إجراء ينصفها مما اضطرها إلى استئناف تحركاتها دون أن يعني ذلك اصطفافها وراء منظومة 24 جويلية. ولم يتوصل الخطاب السياسي الرسمي الجديد إلى القطع مع الخطاب السابق مكتفيا بترديد نفس الرسائل حول تضخم عدد الأعوان في الوظيفة العمومية وانسداد آفاق الانتداب في القطاع العمومي وهو خطاب لم يقنع مجموع المطالبين بالتشغيل بما جعل المشهد أشبه بحوار صمّ وإن شذّ عنه أحيانا ففي شكل مواجهات في الشارع بين المطالبين بالتشغيل وقوات الأمن.

ويضاف إلى ذلك حالة من الاحتقان والصراعات الهامشية داخل كل فئة اشتعل لهيبها مؤخرا في الفضاء الافتراضي مما خفّض من أثرها سواء في الضغط على سلطات القرار أو في كسب الرأي العام إلى جانبها وهي ظاهرة تعكس حالة من التشنج والضغط النفسي بلغت لدى البعض حدّ اليأس والإحباط. لقد بقي الحوار الوطني في مجال التشغيل يراوح مكانه في السنوات الأخيرة فقد انعقد بتونس سنة 2016 ” الحوار الوطني حول التشغيل” تحت إشراف رئيس الحكومة الحبيب الصيد آنذاك وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة ومدير منظمة العمل الدولية وبمشاركة المنظمات الوطنية والعديد من الأحزاب السياسية دون أن تجد مخرجاته أيّ أثر في الواقع. ولم تنجز ” اللجنة القارة للتكوين المهني والتشغيل وتطوير الموارد البشرية” المنبثقة عن المجلس الوطني للحوار الاجتماعي أيّ عمل منذ إحداثها سنة 2018.

وما زالت الفئات المطالبة بالتشغيل تفتقد لهياكل تنشط في إطارها مما جعل بعضها يحتمي بمنظمات وطنية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل وبعضها الآخر ينشئ ما سمي بالتنسيقيات أو يتحرك بصفة عفوية. واستغلت بعض الأحزاب السياسية وخاصة منها التي تقدم نفسها مدافعة عن الشعب هذا الفراغ لبث الفتنة وترويج الأوهام. أما الاستشارة الوطنية الالكترونية التي خُصّص محورها الثالث للشأن الاجتماعي بما في ذلك السؤال المتعلق بأهم الحلول للحد من البطالة فلا يمكن أن تكون بديلا لحوار تفاعلي ومثمر. لذلك آن الأوان للمبادرة بحوار وطني بهدف بلورة استراتيجية وطنية للتشغيل ووضع الأطر الكفيلة بتنفيذها حتى يلتحق المجال الاجتماعي بالمجال السياسي وتتكرس فعليا شعارات 25 جويلية في أهم بنوده وهو التشغيل.

د. بدر السماوي – الشروق – 11 مارس 2022 – ” نافذة على الوطن”

أيّ نصيب للتشغيل في اهتمامات 25 جويلية ؟
أنشره