الأيادي الخفية في الحرائق العربية

بقلم د, بدر السماوي

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 27 أوت 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

اندلعت في عدد من دول العالم خلال الأشهر الأخيرة حرائق غير مسبوقة يعزى أغلبها إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض والتغيرات المناخية. إلا أن الحرائق التي اجتاحت بعض الأقطار العربية اقترنت بتوجيه الاتهام وراء حصولها إلى جهات مشبوهة منها الخارجية ومنها الداخلية خاصة أنها حصلت في أقطار ما انفكت تتعرض على مدى سنوات إلى استهداف سياسي واقتصادي وأمني مثل العراق وسورية ولبنان والجزائر وتونس.

ففي العراق تعرضت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وكميات كبيرة من محاصيل القمح خلال السنوات القليلة الماضية إلى عمليات حرق يؤكد المسؤولون العراقيون أنها تصاعدت بعد وصول البلاد إلى الاكتفاء الذاتي وأن أطرافا خارجية تريد إبقاء العراق مستوردا لتحقيق مصالحها موجهين التهمة إلى تنظيم داعش حيث أن الحرائق وقعت أساسا في المحافظات التي كانت تحت سيطرة هذا التنظيم بين عامي 2014 و 2017 وهي ديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين. أما في سورية فقد أتت النيران على مساحات كبيرة من المنطقة الساحلية الممتدة من الشمال على الحدود التركية وصولا إلى الأراضي اللبنانية، وتم القبض على عشرات الأشخاص الذين ثبت أنهم قاموا بجرائمهم بدعم وتمويل من جهات خارجية علما وأن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الحرائق التي حصلت في كل من العراق وسورية. ولبس لبنان ثوب الرماد بسبب عدة حرائق مشبوهة في توقيتها مثل الذي اندلع على الساعة الواحدة فجرا في ليلة من ليالي نهاية سنة 2019 والذي استغل الكيان الصهيوني آنذاك انشغال اللبنانيين به لبناء حائط اسمنتني في منطقة الوزاني. وتعد أخطر الحرائق التي عرفتها المنطقة العربية وتسببت في عشرات الضحايا تلك التي اجتاحت الجزائر خلال الأسابيع الماضية بما أحاط بها من شبهات حيث وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التهمة إلى ” أياد إجرامية” وتحديدا منظمة “رشاد” الإخوانية التي تتلقى دعما من تركيا ومن الكيان الصهيوني وكذلك حركة “الماك” وهي حركة انفصالية مدعومة من الخارج تطالب باستقلال منطقة القبائل. وارتكبت هذه الجرائم بعد أسابيع فقط من شن الجزائر حملة لرفض قبول الكيان الصهيوني بصفة مراقب في الاتحاد الافريقي.

أما في تونس فقد تصاعدت منذ السنة الماضية بشكل لافت وتيرة الحرائق في الغابات والأراضي الفلاحية اذ تم تسجيل ما يناهز ألف حريق خلال سنة 2020 بينما لم يحصل سوى 280 حريقا في الفترة الممتدة من2011 الى 2019. والمعلوم أن حكومة الترويكا بزعامة حركة النهضة قامت سنة 2012 بعزل حراس الغابات القدامى المدربين من قبل المؤسسة العسكرية وانتدبت مكانهم المئات من المنتفعين بالعفو التشريعي العام مما وفر الظروف المريحة للمجموعات الإرهابية في الغابات والجبال. وفي سنة 2017 اختفى فجأة 600 من هؤلاء ثم تصاعد عدد الحرائق وامتد إلى مؤسسات اقتصادية وتجارية داخل المدن.  وكان الرئيس قيس سعيد قال السنة الماضية أن “هناك شهادات واضحة أن الحرائق بفعل فاعل ليستفيد منها البعض سياسيا”. ولئن لم يفصح الرئيس آنذاك عن الأطراف المتهمة بالاسم فإن تصريحاته الأخيرة وشعارات حراك 25 جويلية توفر قرينة قوية لتوجيه أصابع الاتهام لحركة النهضة ومن لف لفها في مسؤوليتها عن الحرائق.

صحيح أن المناخ له دور في حصول الحرائق وصحيح أيضا أن بعض البلدان ليس فيها غابات قابلة للحرق لكن الصحيح أيضا أن الإخوان المسلمين والدواعش والانفصاليين لا يتورعون بحكم حقدهم على أوطانهم على إشعال النار في كل ما يعترض سبيلهم مقتدين بالمستوطنين الصهاينة الذين ما انفكوا يحرقون أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية لتحويلها إلى مستوطنات. لذلك فإن حماية ثروات أوطاننا من الحرائق تستوجب تعزيز آليات الوقاية السياسية والفكرية إلى جانب توفير وسائل السلامة اللوجستيكية والفنية.

الأيادي الخفية في الحرائق العربية
أنشره