تضمن قانون المالية لسنة 2022 إجراء يتعلق ببرنامج خصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية لفائدة الأعوان العموميين الذين يبلغ سنهم بين 57 سنة و 62 سنة خلال الفترة المتراوحة بين غرة جانفي 2022 و31 ديسمبر2024 شريطة قضاء خمسة عشر سنة في العمل. وينتفع المعني بجراية بصفة فورية ابتداء من تاريخ الإحالة على التقاعد وتتكفل الدولة بمبالغ الجرايات وكذلك بالمساهمات الاجتماعية المستوجبة طيلة المدة الفاصلة بين تاريخ الإحالة على التقاعد الاختياري وتاريخ بلوغ السن القانونية للإحالة على التقاعد.ويمكن تقييم هذا الإجراء من خلال تأثيره على الأطراف الثلاثة المعنية وهي الدولة والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والعون.
أما من ناحية الدولة فقد قدمت الإجراء على أنه يتنزل في إطار التخفيف من تدهور المالية العمومية عبر الضغط على كتلة الأجور. إلا أن التجارب السابقة بينت الجدوى المحدودة لمثل هذه الإجراءات بالنظر إلى ضعف الإقبال عليها. فقد تم في جويلية 2009 إصدار قانون لتمكين الأعوان العموميين الذين يبلغون السن القانونية للتقاعد خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي 2010 إلى 31 ديسمبر 2012 من طلب الإحالة على التقاعد قبل بلوغهم هذه السن.
لكن عددهم لم يتجاوز آنذاك ثلاثة آلاف من بين سبعة آلاف عون حسب توقعات الدولة. ثم صدر قانون آخر في جوان 2017 سمح لأعوان الوظيفة العمومية الذين يبلغون السن القانونية للتقاعد خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي 2018 إلى 1 جانفي 2021 طلب الإحالة على التقاعد الاختياري متوقعا إحالة ما يقارب عشرة آلاف عونا لكن العدد لم يتجاوز خمسة آلاف. أما هذه السنة فتشير التوقعات إلى إحالة ستة آلاف عون وهو رقم مبالغ فيه خاصة أن الإحالات ستنطلق بداية من 1 جويلية 2022. ومن ناحية الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية فإن توازناته المالية لن تتأثر بهذا الإجراء ذلك أن الدولة هي التي ستتولى دفع الجرايات خلال الفترة الممتدة من تاريخ الإحالة على التقاعد المبكر الاختياري حتى تاريخ بلوغ السن القانونية كما أنها ستتولى دفع المساهمات الاجتماعية المستوجبة طيلة المدة الفاصلة بين التاريخين.
هذا مع التوضيح أن التقاعد المبكر الاختياري سواء الذي تم إقراره هذه السنة أو في السنوات السابقة لا يتناقض مع الترفيع في سن الإحالة على التقاعد الذي نص عليه قانون أفريل 2019 بل يختلف عنه في غاياته. فالنوع الأول يهدف إلى التقليص من كتلة الأجور التي تتحملها ميزانية الدولة أما النوع الثاني فيرمي إلى التقليص من عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية. وأخيرا لا يطرح هذا الإجراء أي إشكال بالنسبة للعون طالما أن طلب الإحالة على التقاعد اختياري مثل التمديد في سن الإحالة على التقاعد الذي نص عليه قانون افريل 2019 والفرق الوحيد أن التمديد الأول لا يتطلب موافقة المشغل بينما يتطلب الثاني موافقته.
وتبقى طريقة احتساب الجراية عند الإحالة على التقاعد المبكر الاختياري نفس الطريقة المعتمدة عند الإحالة العادية على التقاعد كما أن العون المحال حسب هذه الصيغة ينتقع خلال الفترة التي تفصل بين إحالته على التقاعد المبكر الاختياري وبلوغه السن القانونية بالتعديل الآلي للجراية على غرار بقية المنتفعين بجرايات. وختاما فإن تأثير هذا الإجراء على السير العادي للمرفق العمومي مرتبط أولا بما سيتضمنه الأمر الرئاسي الذي سيحدد الفئات المعنية ، علما وأنه لم يصدر لحد هذا التاريخ، ، ومرتبط ثانيا بمدى تحمل أصحاب القرار المسؤولية في الزاوية التي سيبتون من خلالها في مطالب الإحالة حتى لا يتم إفراغ الإدارة من أهم الكفاءات والخبرات.
د. بدر السماوي – الشروق : 22 جانفي 2022