التقاعد قبل السن القانونية: من يُحَالُ ومن يُحِيلُ؟

بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 24 جوان 2022 – ” نافذة على الوطن”

انطلقت يوم الاثنين الماضي 20 جوان 2022 آجال تقديم مطالب الأعوان العموميين الراغبين في الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية بعنوان سنة 2022 والذين يبلغون 57 سنة على الأقل خلال الفترة الممتدة بين 1 جانفي 2022 و31 ديسمبر2022. ولئن ضبط الأمر الرئاسي الصادر بتاريخ 13 جوان 2022 الفئات المعنية وإجراءات وصيغ وآجال تطبيق هذا البرنامج فإن بعض النقاط ما زالت تثير تساؤلات عدة لدى الأعوان العموميين الراغبين في الإحالة مثل المؤسسات المعنية والشروط المطلوبة للحصول على الموافقة. ويتضح من خلال الأمر الرئاسي أن المؤسسات التي يمكن لأعوانها الانتفاع بالتقاعد قبل السن القانونية هي مؤسسات الدولة من وزارات وهياكل تابعة لها.

واستثنى الأمر الرئاسي منها المنشآت والمؤسسات العمومية التي تكتسي صبغة غير إدارية. لذلك يجب على العون الراغب في الإحالة أن يطلع على الأمر المحدث للمنشأة أو للمؤسسة العمومية لمعرفة إن كانت تكتسي أم لا صبغة إدارية. وعلى سبيل المثال فإن الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه مصنفتان كمنشأة عمومية ذات صبغة غير إدارية وكذلك المؤسسات العمومية للصحة والصناديق الاجتماعية. واستثنى الأمر الرئاسي أيضا الجماعات المحلية أي البلديات والهيئات العمومية والهيئات المستقلة مثل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

ولم يخص الأمر الرئاسي بالذكر أسلاكا معينة مثلما راج عند إحداث البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية بموجب قانون المالية لسنة 2022 إلا أنه أعطى الأولوية للأعوان الذين هم في عطلة مرض وللأعوان الموجودين في حالة عدم مباشرة وجوبية لأسباب صحية وللأعوان الذين في كفالتهم أحد الفروع أو أحد الأصول من ذوي الإعاقة. وقد هدف الأمر الرئاسي من خلال هذه الحالات إلى التوفيق بين النجاعة الإدارية والظروف الاستثنائية للعون مثل حالة المرض طويل الأمد الذي قد يجعل العون غير مؤهل لتقديم المردود المطلوب من ناحية ولا يمكنه الانتفاع بالإحالة على التقاعد لأسباب صحية إذا لم يكن المرض المصاب به مدرجا ضمن قائمة الأمراض المعنية من ناحية ثانية، وكذلك الشأن بالنسبة للأعوان المتكفلين بذوي إعاقة بصفته إجراء ذا صيغة إنسانية لا يختلف اثنان في أولويته. وتتم الموافقة على مطلب الإحالة على التقاعد قبل السن القانونية من قبل لجنة مختصة تحدث بكل وزارة التي قيدها الأمر الرئاسي بشرط أساسي وهو ” مراعاة ضمان السير العادي للعمل وتوازن هيكلة الموارد البشرية للمصالح المعنية وخصوصيات القطاع الذي ينتمي إليه العون المعني” مما قد يطرح إشكاليات كبيرة إذا ما صدرت المطالب عن إطارات لهم من الخبرة ما ليس من السهل تعويضهم في أمد قريب أو عن أسلاك تشكو بطبعها نقصا فادحا على غرار مدرسي التعليم الأساسي والثانوي وتحديدا ممن لا تتوفر لهم بعدُ أقدمية الحصول على التقاعد المبكر بمقتضى ممارسة وظائف مرهقة.

ويبدو حسب المؤشرات الأولية أن عدد المطالب سيكون مرتفعا بسبب مدة التنفيل التي ستضاف إلى أقدمية العون والتي ستتحمل الإدارة كلفتها. كما قد يكون أغلب الراغبين في التقاعد قبل السن القانونية ممن بذلوا الجهد وأفنوا أعمارهم في الإدارة لكنهم بلغوا مرحلة اليأس من إصلاحها فخيروا المغادرة. وستمثل هذه الوضعيات تحديات كبيرة أمام سلطات القرار التي عليها الحسم بين خيارين متناقضين: ويتمثل الخيار الأول في رفض مطلب الإحالة محافظة على سير العمل سيما بالنسبة لبعض القطاعات الخصوصية مع ما يمثل ذلك من خيبة أمل لدى المصرّين على التقاعد. ويتمثل الخيار الثاني في الموافقة على مطلب الإحالة تجسيدا للهدف الذي أحدثت الدولة من أجله هذا البرنامج وهو التحكم في كتلة الأجور مع ما تؤدي إليه الإحالة من تعطيل لسير العمل.

التقاعد قبل السن القانونية: من يُحَالُ ومن يُحِيلُ؟
أنشره