بعد اغتيال إسماعيل وفؤاد: الغضب الساطع آت وطائرة ” الزواري” بالمرصاد


بقلم د. بدر السماوي -الأمين العام لحركة النضال الوطني – الشروق : 26 أوت 2024


تعددت التساؤلات وكثرت الانتظارات في الأسابيع الأخيرة حول الرد الذي يستوجبه اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وفؤاد الشكر أحد قادة حزب الله العسكريين واغتيال قادة آخرين في صفوف المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية اللبنانية. والحقيقة أنها مشاعر صادقة تدل على رغبة في الثأر من العدو الصهيوني الذي ما انفك يمارس سياسة الإبادة ويدوس على كل الضوابط.
حرب استنزاف
إن صمود المقاومة على مدى أكثر من عشرة أشهر أمام آلة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكيا وغربيا ليس سوى حرب استنزاف انطلقت منذ ملحمة طوفان الأقصى على أيدي مجاهدي كتائب عز الدين القسام. ولم تتأخر المقاومة الإسلامية اللبنانية عن الانضمام للمعركة فشرعت في قصف قواعد جيش العدو في شمال فلسطين وتجهيزاته التجسسية والتقنية وإفراغه من المستوطنين مقدمة أكثر من 400 شهيد. والتحقت القوات المسلحة اليمنية فأغلقت المنافذ البحرية على الكيان الصهيوني مما أدّى إلى انهيار اقتصادي لا مثيل له ونفذت عمليات جريئة ضد السفن التجارية المتعاملة مع الكيان وضد مدمرات أمريكية وبريطانية. أما إيران التي ترعى محور المقاومة وتسنده بكل الأشكال وتقدم عشرات الشهداء في مختلف الميادين فساندت بصفة فعالة طوفان الأقصى موجهة صفعة لمحاولات بث الفتنة السنية الشيعية ومدعمة “سنة” غزة وفلسطين.
الأرنب المذعور
تحوّل الكيان الصهيوني بفضل ضربات المقاومة إلى أرنب مذعور يستجدي الحماية لذلك أرسلت الولايات المتحدة أساطيلها وتجندت الدول الغربية لإنقاذه تارة بالتلويح بالعصا الغليظة وأخرى بمناورات التفاوض العبثي الذي لا يهدف سوى لإطالة الحرب وفرض الاستسلام وإظهار محور المقاومة وكأنه المتسبب في استمرار الحرب. لكن محور المقاومة لم يرهبه التهديد والوعيد والحشود الضخمة ولم تُغره جزرة المفاوضات لأنه مدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني جسم واحد وأنها حرب أمريكية صهيونية بامتياز لذلك فهو يسير بخطى ثابتة في حرب استنزاف يتآكل فيها الكيان الصهيوني ويقترب من نهايته.
الكلمة للميدان
تثبت بطولات المقاومة رغم مشاهد المجازر المؤلمة التي نشاهدها يوميا أن محور المقاومة يتحكم في الميدان وهو الأكثر قدرة على تقييم الأوضاع وتحديد طرق التعامل معها. فقد أصبح المجاهدون في غزة يخرجون من كل الثغور يفجرون الدبابات والآليات وينصبون الكمائن ويقنصون. وبرز مؤخرا المنخرطون الجدد الذين التحقوا بالمقاومة وتدربوا عل القتال بعد السابع من أكتوبر. واشتدت المواجهة في الضفة وعادت العمليات الاستشهادية في الأراضي المحتلة سنة 1948. وتصاعدت عمليات المقاومة الإسلامية اللبنانية وزادت في إرباك العدو بنشر فيديو عماد 4 بعد فيديوهات الهدهد الثلاث. وأعادت الجبهة العراقية تفعيل عمليات استهداف القواعد الأمريكية وتواصل سوريا الشامخة صمودها أمام العدوان الصهيوني والأمريكي والتركي والتكفيري الإرهابي والكردي ويوسع اليمن دائرة استهداف العدو وصولا للبحر المتوسط. وهكذا يتبين أن المقاومة تتصرف بحكمة وليس بانفعال أو سطحية مثلما يتصرف البعض من وراء هواتفهم الذكية يُوجّهون النقد يمنة ويسرة أو يعتبرون أن الرد إذا تأخر لن يكون له أثر ويديرون المعارك نظريا وكأن الموضوع خصومة في حارة لرؤوس حامية تتصرف ضربة بضربة.
أليست الحرب خدعة؟
كانت مواقف المقاومة الفلسطينية وجبهة الإسناد فيما يتعلق بالرد على سلسلة الاغتيالات جازمة وملتزمة بمبادئها. وكان أول موقف تعيين المقاوم الميداني يحي السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس بما يعني ذلك من إصرار على المقاومة والصمود. وأكدت إيران أن قرار الردّ اتُّخذ والبقية تفاصيل. وقال السيد حسن نصر الله أنّ الردّ مفروغ منه وأن التنفيذ بيد قيادات الميدان. ثم أضاف بعد أيام أن انتظار الرد هو رد بحد ذاته وهو ما اعترف به الصهاينة أنفسهم. أما السيد عبد الملك الحوثي فأكّد أنّ الردّ آت آت آت . وما من شكّ أننا لا نقف أمام ضجيج إعلامي بعد أن خبرنا الممارسة العملية لمحور المقاومة لكن الحرب خدعة وتتطلب الكثير من الدهاء والحنكة وهو ما يستوجب مواصلة إعطاء الثقة في المقاومة وعدم السقوط في التشكيك والبلبلة.
طائرة الزواري في الموعد
إن ثقتنا في تونس في المقاومة وفي قدرتها على الرد يعود أساسا إلى الإيمان بأنها على حق ويعود أيضا إلى ما أثبته شعبنا تاريخيا من انخراط في مواجهة الكيان الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين سنة 1948 فقد تطوع الآلاف من أبنائه فمنهم استشهد على أرض فلسطين ومنهم من لاحقته يد الغدر الصهيونية على أرض تونس سنة 2016 وهو الشهيد المهندس محمد الزواري مخترع الطائرة الانتحارية التي حملت لقبه ” الزواري” والتي دخلت الخدمة لأول مرة خلال ملحمة طوفان الأقصى وكانت آخر مرة استعملت فيها كتائب القسام الطائرة يوم الخميس الماضي 22 أوت حيث استهدفت بواسطتها مركز قيادة وتحشد العدو في محور نتساريم.
وعلاوة على تاريخ شعبنا المجيد في دعم الحق الفلسطيني فإن ما يجعلنا أكثر ثقة في المقاومة وفي انتصارها موقف قيادتنا السياسية في تونس ممثلة في الرئيس قيس سعيد المتطابق تماما مع الموقف الشعبي والداعي إلى ” مواصلة مسيرة النضال بالكلمة الأمينة المعبرة عن الطلقة الشجاعة من أجل تحرير كامل الوطن المحتل بالجماهير العربية معبأة ومنظمة ومسلحة، وبالحرب الثورية طويلة الأمد أسلوبا حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين” والذي جسده خلال الأشهر الأخيرة في عدة مناسبات ومنها توجيه معونات مختلفة إلى إخوتنا في غزة واستقبال الجرحي وعلاجهم في تونس.

بعد اغتيال إسماعيل وفؤاد: الغضب الساطع آت وطائرة ” الزواري” بالمرصاد
أنشره