الشروق : 5 جانفي 2025
تثير حوادث غرق المهاجرين غير النظاميين وآخرها كارثة هلاك 27 مهاجرا وإنقاذ 83 المزيد من القلق والخطر وتؤكد على الضرورة الملحة لإيجاد الحلول الجذرية للقضاء على أسباب تكرر هذه المآسي الإنسانية من ناحية ولقطع الطريق أمام استقرار مهاجرين غير نظاميين في بلادنا وما قد ينتج عنه من تهديد للأمن القومي من ناحية أخرى.
الاستعمار والإرهاب
تعود مأساة الهجرة الكثيفة التي تشهدها عدة بلدان أفريقية إلى تراكم الفقر والجوع والبطالة بسبب الهيمنة الاستعمارية طيلة عقود ونهب ثروات هذه البلدان ومنع تحرّرها ونهوضها وتحكمها في أوطانها بل وتغذية الصراعات فيما بينها أو داخل البلد الواحد لاستنزافها وتقسيمها بشتى العناوين وآخرها إشعال الحرب في السودان مما نتج عنه نزوح وهجرة ملايين السودانيين . ولا تتورّع الدول الغربية لتحقيق أهدافها عن خلق الحروب الأهلية أو إسقاط الأنظمة الوطنية أو دعم التنظيمات الإرهابية ثم استغلال نفس هذا الإرهاب للتظاهر بمحاربته عبر التواجد العسكري المباشر. ولم تسلم أفريقيا من هذه الظاهرة حيث انتشرت في بعض بلدانها التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام والتي ما انفكت تبطش بالسكان وترتكب المجازر وتسبي البنات مما يعمق الخوف لدى سكان هذه البلدان ويدفعهم للهجرة.
تونس منصة نحو أوروبا
يتطلع مئات الآلاف من الأفارقة جنوب الصحراء إلى العبور نحو أوروبا حالمين بالجنة في حين أن أووربا هي بالذات من حرمتهم من التنمية والشغل في بلدانهم. وكانت بداية تدفّقهم إلى تونس كمنصة قريبة من أوروبا خلال عشرية الخراب حيث تم ضرب المنظومة الأمنية واختراقها وترك البلاد مستباحة لكل أنواع الاستخبارات والفوضى والمافيات . وقد غذّاها القرار الأرعن لرئيس الجمهورية في عهد الترويكا الذي ألغى التأشيرة عن عدد من البلدان الأفريقية فأصبح مواطنوها يدخلون إلى بلادنا ويشتغلون بها لمدة ثم يغامرون في عمليات “حرقة “. وتحركت عصابات الاتجار بالبشر لتدير شبكات تنطلق من أعماق أفريقيا إلى ضفاف أوروبا قبل أن تتحول الأهداف إلى التوطين في بلدان المغرب العربي .

“عقاب” على 25 جويلية ؟
كان أغلب الوافدين إلى إيطاليا من المهاجرين الأفارقة قبل 2019 ينطلقون من ليبيا بسبب غياب الدولة منذ سنة 2011 وسيطرة الميليشيات التي اتخذت من المتاجرة بالأفارقة مهنة لها ولكن النسبة انخفضت بعد اتفاقيات عقدتها إيطاليا مع ليبيا عام 2019 مقابل ارتفاع الوافدين الأفارقة إليها من تونس. كما أن قضية المهاجرين اختلفت بعد 25 جويلية 2021 بسبب تكالب منظومة 24 جويلية ورد الفعل الغربي على فشل ” نموذج الربيع العبري1″. وقد أغرت الأموال المتدفقة على المهاجرين الأفارقة البعض في تونس مع الأسف لنمو ” اقتصاد هجرة ” مثل الأكرية والنقل والتجارة وحتى صنع قوارب الموت على حساب سيادة البلاد واقتصادها .
نحن أفارقة
بعد أن كانت الأطراف المعادية تتحدث عن التسيب والغزو الأفريقي انقلبت لتشنّ حملة على الدولة متهمة إياها بالعنصرية. لكن رئيس الجمهورية فند هذه التهم أكثر من مرة فقد صرح حين زار صفاقس ” نحن أفارقة ولكن لا نقبل من ليس في وضعية قانونية”. ثم عادت الحملة لتتهم الدولة التونسية بكونها حارسا لحدود أوروبا مقابل الأموال في حين رفضت تونس الابتزاز الأوروبي بإعلان رئيس الجمهورية في اجتماع روما “نحن لن نكون حارسا إلا لحدودنا” وفي اجتماع باريس ” لن نقبل إلا شراكة على قدم المساواة .” . كما نجحت تونس بمناسبة إمضاء مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي في تحويل موضوع الهجرة من حماية حدود أوروبا إلى نهوض ببلدان منبع الهجرة والتنصيص على “مساعدة تونس في جهودها لتعزيز النمو الاقتصادي وفق الإصلاحات الموضوعة من قبل تونس نفسها” .
الهجرة والتحولات الإقليمية
عزّزت السلطات التونسية مراقبة الحدود البرية والبحرية حيث أن الجزائر تمنع استقرار المهاجرين في بلدها خاصة بعد اكتشاف خطط لتوطين ثمانية ملايين أفريقي في الصحراء الجزائرية في نطاق خطة لتقسيمها وخلق حرب طائفية وعرقية لذلك يفرّ هؤلاء نحو تونس والنيجر وليبيا التي يقيم بها حاليا مليون أفريقي . كما عززت تونس حملات العودة الطوعية لهؤلاء إلى بلدانهم ففي حين عاد سنة 2023 قرابة 2500 ارتفع العدد في 2024 إلى ستة آلاف . ونظرا للخطر الكبير المتأتي من هؤلاء خاصة بعد المتغيرات الإقليمية ومحاولة بعث الروح في الربيع العبري 2 وجب الحذر من توحد المتكالبين على تونس من دول غربية وكيان صهيوني وأطراف تونسية متآمرة في الخارج والداخل منساقة وراء شعارات الديمقراطية الزائفة والحريات وحقوق الإنسان التي تُداس يوميا في غزة كأبشع ما يكون دون أن تحرك ساكنا .
تنظيم الترحيل
يتطلب الوضع المشار إليه أعلاه الحذر من خطر محاولة إعادة المجموعات الإرهابية التي تم تصديرها للعراق وسوريا وليبيا وتحريك الخلايا النائمة واستعمال المهاجرين الأفارقة بالذات في هذه الخطط بما يستوجب إجراءات يقظة وتحركات عاجلة وذلك تحديدا بتسريع إعادة هؤلاء الأفارقة لأوطانهم وتفكيك التجمعات الكبرى مثل جبنيانة والعامرة دون أن يمنع ذلك تحرك أطراف أخرى لنفس الهدف على غرار مقترح القانون الأساسي الذي تقدمت به مؤخرا مجموعة من النواب تحت عنوان ” تنظيم ترحيل المهاجرين غير النظاميين”.
إن يقظة الدولة بكل مؤسساتها ووعي الشعب قادران على إفشال كل محاولات التوطين أو زعزعة الأمن.
الأمين العام لحركة النضال الوطني : د.بدر السماوي