شبابنا والاختراق الناعم

فتحي الماهر، أستاذ، جمّال

صدر بجريدة الشعب بتاريخ 19 أوت 2021

اتخذ عمل السفرات الأجنبية في تونس شكلا جديدا بعد 2011 تمثل في اختراق صفوف الشباب بطريقة ناعمة مستغلا ضعف هياكل الدولة فأصبحت بعض البعثات الدبلوماسية تطلق برامج تحت عناوين الترويج للديمقراطية وتتصل مباشرة بالمواطنين خارقة بذلك الأعراف الدبلوماسية المعمول بها في هذا المجال. ومن بين الأساليب المعتمدة تنظيم مسابقات وإسناد منح جامعية وتنظيم دورات تكوينية عن  طريق جمعيات تونسية تتلقى أموالا ضخمة تمكنها من عرض إغراءات مالية وتوفير إقامات بالنزل ووعود بالسفر إلى الخارج.

وسنتعرض أسفله إلى بعض المشاريع التي استهدفت الشباب وخاصة في المجال التربوي. ونبدأ بعرض مشروع أول وهو تنظيم مهرجان وطني للموسيقى أوكلت مهمة الإشراف عليه إلى جمعية ” تونس 88 ” التي اتخذت هذا الاسم لأنها تطمح لإنجاز 88 مهرجان في كامل تراب الجمهورية. واتفقت الجمعية على إقامة المهرجان مع وزارة التربية بعد أن تم تأسيس 586 ناد بالمعاهد والمدارس ضمت 20 ألف تلميذ. ويقتضى المشروع قيام مجموعة من التلاميذ تحت إشراف تلميذ منتخب بتأليف أغنية يتم تصويرها بعد ذلك في شكل فيديو للمشاركة بها في المهرجان. ويتم تقديم آلة موسيقية للمؤسسة التربوية (قيتارا أو آلة إيقاع) كمساهمة من طرف الجمعية. وهذا العمل عادي إلى حد الآن. لكن ما هو غير عادي أن التلميذ قائد المجموعة ينخرط في منصة إلكترونية مغلقة وينسق بشكل تام مع المشرفين على جمعية ” تونس 88 ” الممولة من السفارة الأمريكية بتونس. وما هو غير عادي أيضا تركيز الجمعية على بث مواد عند تأسيس النادي تدعو للتسامح بالذات. وإثر ذلك يقع تجميع تلاميذ النوادي المتوجة لإقامة مهرجان لموسيقى الجاز وهو مشروع ممول أيضا من السفارة الأمريكية بالتنسيق مع وزارة التربية.

ويهتم مشروع آخر يسمى ” حقيبة المواطنة” تشرف عليه وزارة التربية بالاشتراك مع هيئة الانتخابات وبتمويل من سفارة أمريكا بتدريب التلميذ على ملامسة العملية الانتخابية بكل جوانبها الفنية وذلك باختيار ممثلي الأقسام ثم ممثلي المستوى ثم ممثل المؤسسة ثم ممثل جهوي بعد أن كانت تتم سابقا في إطار اختيار ممثلي الأقسام. وقد مس هذا النشاط ما يناهز 100 ألف تلميذ عن طريق نوادي المواطنة التي ظهرت بعد 2011 . وهناك أيضا مشروع ” المواطن الفعال” active citizens وتموله سفارة بريطانيا بتونس وهو مشروع يقوم بانتقاء شباب يقع تكوينه ليكون فعالا ومؤثرا في مدينته إضافة إلى برنامج ستودنت للتغيير (student for change) الذي يقدم منحا على شاكلة مسابقات لمشاريع شبابية. وفي نفس الاتجاه يلاحظ الإكثار من عدد النوادي المشابهة في الجامعات ممولة من نفس المصادر تخصص لتكوين ما يسمى بـ ” تكوين الشباب القيادي” وتتميز هذه النوادي بامتلاكها لموارد مالية هامة تمكنها من إقامة لقاءات في النزل دون أن تشترط مساهمة مالية من المشارك. وتحتوي برامج هذه اللقاءات على مواد مثل تنمية المهارات والحس القيادي والتواصل مع الغير. وقد تمكنت هذه البرامج من الوصول إلى أقصى البلاد مثل “جمعية منظمة التعليم من أجل التوظيف بجرجيس” التي تهتم بتكوين وإرشاد طالبي الشغل بالجنوب التونسي دون غيرهم وهنا تبدو مسألة التركيز على الجنوب تحديدا مريبة في ظل الوضع الأمني الهش مع الجارة ليبيا.

إن خطورة هذه البرامج تكمن أساسا في مضمونها الذي تشرف عليه سفارات دول عرفت بمعاداتها لشعوبنا ما يجعل أموالها غير بريئة خاصة أنها تستهدف نخبة البلاد ومستقبلها بترويجها لتسامح مزعوم مع الأعداء وتحديدا الصهاينة بمباركة من المنظومة السياسية الحاكمة خلال العشرية الأخيرة بزعامة حركة النهضة. وبهذه الأساليب تتمكن السفارات من خلق جيل منعزل على وطنه متنكر لتاريخه منفصل على تراثه. لذلك فإن الخطوة الأولى الواجب اتخاذها على المدى القريب مراجعة المرسوم 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات الذي لا يمنع تلقي تمويل أجنبي على أن يتم على المدى المتوسط والبعيد ضبط إستراتيجية وطنية لتأطير الشباب سواء في إطار المدارس والمعاهد والكليات أو في إطار دور الشباب والثقافة التي يجب أن تستعيد القيام بدورها الوطني.

شبابنا والاختراق الناعم
أنشره