
بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 16 افريل 2022 – ” نافذة على الوطن”
يسود الاعتقاد لدى جزء من الرأي العام أن شركات البيئة والغراسة والبستنة مؤسسات وهمية ليس لها أي دور في الاقتصاد ولا تعدّ سوى آلية مغلوطة لامتصاص البطالة فضلا على مساهمتها في نشر عقلية التواكل. وينظر جزء آخر من الرأي العام إلى هذه الشركات بشيء من الريبة والتحفظ بسبب توظيفها من قبل بعض الأطراف السياسية المعروفة بعلاقتها بالتهريب وحتى بالإرهاب ويصل الأمر بالبعض إلى شيطنتها على بكرة أبيها.
ولئن يحتوي هذا التشخيص على جزء من الحقيقة فإنه يقف عند حدود المظاهر والنتائج ولا يتطرق إلى الظروف التي دعت إلى بعث هذه الشركات ولا ينفذ إلى تقييم مسار تطورها وطرق التصرف فيها. فقد نشأت شركات البيئة والغراسات والبستنة لأول مرة سنة 2008 في منطقة الحوض المنجمي استجابة لمطالب شباب الجهة في الشغل في ظل انعدام مشاريع تنموية غير ” الكبانية”. وكان اختيار هذا المجال متلائما مع حاجة الجهة الماسة إلى تلافي الأضرار الكارثية التي لحقت بالبيئة وبالمائدة المائية وبالبنية التحتية بسبب الأنشطة الاستخراجية تضاف إليها تأثيرات التغيرات المناخية الحديثة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة والتصحر والانجراف. لذلك فإن الحاجة إلى العناية بالبيئة وغراسة الأشجار وتطوير البستنة في هذه المناطق لم تكن ترفا بل منفعة تهدف إلى تدعيم التنمية المستدامة.
وبعد أن تم الشروع في هذه التجربة في منطقة الجنوب الغربي اتسعت بعد سنة 2011 إلى جهات الجنوب الشرقي والوسط بسبب تشابه الظروف المناخية والضغوطات الاجتماعية. وقد أدّى تعدد هذه الشركات وبروز الحاجة إلى تنظيمها إلى ابرام اتفاقية مشتركة خاصة بها في أوت 2012 بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل تحدد عملية بعث مواطن الشغل وتنص على إنشاء مؤسسة لأعوان البيئة والغراسة والبستنة. واشتملت الاتفاقية على تنظيم العلاقات الشغلية بين المؤجرين والأعوان وتضمنت العديد من الأبواب من أهمها الانتداب والتدرّج والترقية ونظام العمل والعطل والتصنيف المهني والأجور. وكان من المفروض أن تدخل هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ في أفريل 2013 على أن يتمّ تطبيق الجانب المالي بداية من مارس 2013. لكن السلطات المعنية لم تتقدم في تطبيقها آنذاك.
وقد يعود تعطل تطبيق هذه الاتفاقية إلى ضعف التمويلات وهو أمر وارد في ظل تدهور وضع الميزانية العمومية ووضع المؤسسات والمنشآت العمومية خلال العشرية الماضية وضعف انخراط القطاع الخاص. لكن هذه المؤسسات سواء منها العمومية أو الخاصة أصبحت ملزمة بالمساهمة في النهوض بهذه المشاريع بعد صدور قانون المسؤولية المجتمعية للمؤسسات المؤرخ في 11 جوان 2018 الذي يجبرها على المساهمة في تطوير البنية التحتية والحفاظ على البيئة وترشيد استعمال الموارد الطبيعية وهي مجالات في صلب نشاط هذه الشركات. أما فيما يتعلق بنجاعة هذه الشركات ودورها في التخفيض في نسبة البطالة فإن المسألة مرتبطة بمدى وعي الجميع بمفهوم التنمية المستدامة. وفيما يخص حصول بعض الأعوان على أجور دون تعاطي أي نشاط فإن المسؤولية ملقاة على المشرفين على هذه الشركات الذين عليهم تفعيلها وتنفيذ المشاريع بما يؤدي إلى تشغيل كل الأعوان كامل الوقت بل إن معطيات تفيد بتذمر الأعوان أنفسهم من هذه الوضعية إلى حدّ أن بعضهم قام بتحركات احتجاجية للمطالبة بالعمل الفعلي وبتوفير وسائل العمل حسب ما رصده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
إن عودة بعض التحركات الاحتجاجية هذه الأيام بسبب عدم صرف الأجور مثلما حصل الأسبوع الماضي في قبلي وقبلها في جهات أخرى يطرح ضرورة تدخل الدولة لاتخاذ خطوات جريئة لتفعيل هذه الشركات وتحميل كل الأطراف في القطاعين العمومي والخاص مسؤوليتها. ولا بد من العمل على اتخاذ ما يستوجب من إجراءات لضمان حقوق الأعوان وتحديد واجباتهم سعيا نحو النجاعة وتجنبا للشيطنة. والخلاصة أن هذا الملف لا يختلف في أسبابه وفي آفاقه عن غيره من ملفات البطالة والتشغيل الهش على غرار عملة الحضائر والمعطلين عن العمل والدكاترة الباحثين ومدرسي تعليم الكبار والآلية 20 وغيرهم.