اتصلت جريدة ” صوت الوطن ” من الأستاذ بلقاسم بن جابر بدراسة قيمة تحت عنوان ” صدى نكبة فلسطين في الشعر الشعبي”. ونظرا لطول الدراسة ولضيق المساحة في هذه الجريدة نورد مقتطفات منها مع الاعتذار له والوعد بمواصلة النشر في أعداد قادمة وتجديد الشكر لثقته في الجريدة.
كان الشعب التونسي يرسُف في أغلال الاستعمار البغيض في الزمن الذي أطلق عليه الوطنيون “زمن العسرة” فزعماء الحركة الوطنيَّة كانوا في المنافي والمعتقلات وكانت الحزن يخيّم على البلاد وهي تشيَّع مليكها الوطني المنصف باي يوم الفاتح من سبتمبر 1948 إلى مقبرة الجلاز. لكنَّ الشعب المفعم بعروبته وإسلامه كان يتابع بمرارة النكبة الأولى للعرب في فلسطين والحق أنَّ القضية الفلسطينية شغلت الرأي العام التونسي منذ العشرينات وما قبلها.
وتمثل زيارة الزعيم الوطني عبد العزيز الثعالبي إلى المشرق العربيّ وتعرفه علي القضية الفلسطينيَّة في بواكير الصراع العربي الصهيوني عاملا حاسما في بث الوعي التونسي بالقضية. فقد كان الشيخ يحث في اجتماعات الحزب الحر الدستوري التونسي على المساعدة العملية وجمع التبرعات للفلسطينيين، ودعا الشاعر سعيد أبي بكر في اجتماعات الحزب إلى جمع التبرعات وإرسالها إلى أمين الحسيني بل إنه هدّد بتقديم استقالته إذا لم يُقبل طلبه فورًا. وكان لرأيه صدى في الأوساط الشعبية. كما حفلت الصحف التونسيَّة المتنوعة المشارب بمقالات مكثفة كشفت للشعب خفايا القضية وواجهت المشروع الصهيوني بتونس.
وعلى جانب أخر كان ثمة عمل حثيث من نشطاء الحركة الصهيونية بتونس على التبشير إعلاميا بأهداف الصهيونيَّة وبالهجرة وبالدعم المالي فقد صدرت نحو 50 صحيفة صهيونية بتونس من سنة 1897 إلى سنة 1948.
لقد كانت النكبة حدثا هز الوجدان القومي في القطر التونسي وانعكس على الثقافة والأدب مسرحا وأغنية وشعر فصيحا وشعبيَّا. ورغم غلبة الأمية وتجهيل الاستعمار وانقطاع السبل والتواصل مع المشرق العربي تفاعل الشعراء الشعبيون التونسيون بحماسة مع قضية فلسطين في نكبتها قبل سنة 1948 وأثناءها رغم أنهم كانوا يقاومون استعمارا بغيضا فساهمت قصائدهم في بث الوعي وإيقاظ الهمم ودفع حركة التطوع والإنجاد والجهاد التي نفر فيها الشباب التونسي للدفاع عن أرض فلسطين المقدسة الطاهرة
وتتضمن الصفحة الموالية نماذج من القصائد الوطنية التي ألفها في تلك الفترة شعراء تونسيون. كما تحتوي الصفحة الأخيرة على نماذج شهداء ساروا على نفس الدرب بعد ما يناهز نصف قرن
.
جَميعْ الأمَم لكُل مُلتفتينْ
إلى مَا يَاقع في فْلِسطِينْ
جْمِيعْ الحُذَّاقْ
العَالَم الاسْلامِي عَلْ قَدم وْسَاقْ
اجْتَمعُوا لْتَمُّوا عِملُوا اتِّفاقْ
لاجْلِ ثالثْ الحَرَمِينْ
طْلبْنا الرَّحْمَان ْ
يْطَفِّي عَلينا هَاذِي النِيرَانْ
اللهْ يُرزُقْنا بِاهْل الاحْسَان
يْرُدُّوا النَّاس المِتْعربْدِين
وِينْ الزِّعَامْ
وِينْ الدِّوِلْ الكُبرى لِعْظَامْ
يْكِفُّوا عَلى العَالَم شَرْ الظُّلاَم
قَبْل ما تِشْعل فِيه النَّارِينْ
الشاعر الحاج عثمان الغربي
يِحْكُو بْحَرْب الكَايْنة فِي فَلَسْطِينْ بِينْ الطَّاشْمْتِينْ
تِكَسَّرْ جِيشْ المَهِوْدَة وانْقَامْ الدِّينْ
يِحْكُو بْحَرْبِ الكَايْنَة تَوَّا مَوْجُودْ
بِينْ نْجُوعْ البَادْيَة وْقُومْ الضَلاَلَ
قَالُوا بَرْ القُدِسْ نِزْلُوا فِيهْ يْهُودْ
طُلْبُوا إدَارَة مَمِلْكَة مُوشْ اسْتِنْزَالْ
أهْلَه مَا حَبُّوشْ مَا قِبْلُوا مَضْمُودْ
فَكُّوا لَرْضِ مْتَاعْهُم ايْمَنْ وِشْمَالْ
مَاهُو رَايْ المَهْوْدَة كَافِرْ كَنُودْ
قَالِلْهُمْ تِرْخُولْهُمْ تِبْزِيعْ المَالْ
رُهْنَتْها لَسْلاَمْ بَحْجَايِجْ وِعْقُودْ
دَارُوا فِيهَا مَمْلكَة وْسُوقْ وْدَلاَّلْ
الشاعر محمد بورخيص الدغاري
والله مَا نِحْسَابْ
عِنْدهَا مِلايِنْ تِحِتْ سَبعِ مْلُوكْ
كُلْ حَد جَاهَا بْطَانْقُو دَبَّابْ
مَا تِعْرْفلَّه حْسَابْ
وْخَلَّفْ اللِّي فِيها يَا دْرُوكْ دْرُوكْ
عْبُودَة بِجَلْهاَ وْجَابْ فِيها شْهَابْ
خَلى الرِشَادْ تْرَابْ
تَلْ أبِيبْ خَلاَّهَا جِبَلْ وْشُوكْ
وْبِنْ سْعُودْ مَا يِغْلبَه غَلاَّبْ
لْيَا كَانْ رَبَّي نَابْ
عَبد الإلَهِ وْالمَلِكْ فَارُوقْ
هُوذَا الثِّلاثَة كُلْ حَد فِي قَابْ
سَادِّينْ فَمْ البَابْ
لاَ تْجي قِدَانَا لاقِدَاكْ نْجُوكْ
مَرْصُودْ لِينْ نْعَذْبُوكْ عْذَابْ
يَا كَلِبْ يَا كَذَّابْ
وْهَا الفِعِلْ مَا هُوشِي عَوَايِدْ
بُوكْ القُوقْجِي مْنِينْ زَرْيطُو لَقْتَابْ
مَرْحُومْ سِيدَه جَابْ
وِزِيرْ الوْزَارَة سَلِطْنَة وِحْرُوكْ
مِنْ شَرِقْ لُرْدُنْ دَارْ بِيهَا وْجَابْ
جَتْ داَهْمَه زِرْدَابْ
بِدي الرِيمْ والدُّخَانْ يَرقَى وُوُكْ
رَاهُو انْقِلِيزِي نَحْوِكُم يِخْيَابْ
سَاسْ العَدُو قَلاَّبْ
وْسَاسْ العَدُو مَا تَعْمْلاَشِي خُوكْ
يْهِبْ الفِلَكْ وِيْزَيِّرْ الكُلاَّبْ
يْظَلْ ذِرْكُمْ هَرَّابْ
تِمْشُو هَتَايَا تِتْنَسَى وْنَنْسُوكْ
الشاعر ضو لطرش التوزني