تنقيح القانون الانتخابي: مصلحة الوطن فوق كل اعتبار


 تخللت مختلف مراحل الانتخابات الرئاسية تجاذبات وتأويلات اتخذت في ظاهرها طابعا قانونيا. فكانت البداية بتأويل النصوص المتعلقة بشروط الترشح مثل مدى صحة المطالبة بالبطاقة عدد 3 أو مدى توفر الوثائق لإثبات الجنسية التونسية للأصول الخ.. ثم تواصل الجدل حول أسباب رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لبعض المترشحين حتى كانت آخر مواجهة عندما تجاوزت المحكمة الإدارية صلاحياتها فدخلت في معركة لي ذراع مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات  منحرفة عن دورها القضائي ومثيرة بلبلة في البلاد.

كاد المريب ان يقول خذوني

ليس غريبا بصفة عامة أن تقع اختلافات داخل الأسرة القضائية حول تأويل النصوص القانونية بل إن فقه القضاء جُعل بالذات ليساهم في تطوير القانون وإثرائه وتجاوز الثغرات التي قد يكون سها عنها نص القانون. لكن بعض السلوكيات خلال النزاع الانتخابي كانت ملفتة للانتباه من ذلك الخروج المكثف لبعض قضاة المحكمة الإدارية إلى الإعلام لتبرير قرارهم في حين أن مهمتهم تقتصر على إصدار الأحكام فقط أما تطبيقها فهو من صلاحيات هياكل أخرى. ثم اتضحت الصورة لما انبرت منظومة 24 جويلية تدافع بكل شراسة على قرارات المحكمة الإدارية منظمة احتجاجات في الشارع ومتحالفة مع أطراف مشبوهة في الخارج ومعتمدة على بعض القنوات الإعلامية المعروفة بعدائها لتونس التي فتحت لها المجال لها لبث سموم عدائها لتونس.

إحباط مخطط الفتنة

وإذا تطرقنا إلى الموضوع من الناحية القانونية رغم وعينا بأنه ثانوي فلا يوجد ما يمنع مجلس النواب من تقديم مقترح قانون مهما كان التوقيت أي حتى خلال الفترة القريبة من إجراء الانتخابات فضلا على أن التنقيح لا يمس بالانتخابات بل بالاختصاص القضائي. هذا مع التذكير بأنه سبق أن وقع تقديم مشاريع قوانين لتغيير قانون انتخابي في نفس فترة الانتخابات سنة 2017 بمناسبة الانتخابات البلدية وسنة 2019 بمناسبة الانتخابات الرئاسية والذي رفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إمضاءه. ومن ناحية أخرى فقد ورد في الدستور ما يسمّى بـ “مبدأ الضّرورة في التّشريع” يقتضي بإمكانية أن ينبع التّشريع من ضرورة تقتضيها حماية الأمن العام والسّيادة ككل وهو ما ينطبق في قضية الحال حيث أن المادّة الانتخابيّة من علائق النّظام العام.

                 نواب  الشعب في مستوى المسؤولية

أصبح جليا أن المحكمة الإدارية تحولت إلى نقطة استقطاب عمل البعض على استغلالها لبث الفتنة والإعداد لسيناريو خلق حالة فراغ دستوري وتعريض البلاد لوجود شرعيتين وما قد ينتج عنه من انقسام واقتتال ومبرر للتدخل الأجنبي المباشر. وعندما انكشفت خيوط المؤامرة تحرك نواب الشعب من منطلق تحمل مسؤوليتهم الوطنية فتقدموا بمشروع قانون أساسي لتنقيح بعض أحكام القانون المتعلّق بالانتخابات وذلك بإحالة البت في النزاع الانتخابي من المحكمة الإدارية إلى القضاء العدلي وهو أمر إجرائي عادي ما كان ليثير كل هذا الجدل لو لا أن هناك أجندا سياسية معادية للبلاد وللشعب.  وكانت مصادقة نواب الشعب على القانون تعبيرا منهم على وطنيتهم الراسخة ووعيا بخطورة ما يحاك لتونس ومؤشرا على أن مستقبل البلاد بخير.

.

صوت الوطن : العدد (81) -28 سبتمبر 2024
أنشره