
بقلم د. بدر السماوي: عضو المكتب السياسي لحركة النضال الوطنى – الشروق:الأحد 7 أفريل 2024
تعوّدنا أن تمتد المواجهات العربية أياما أو أسابيع على أقصى تقدير، أما أن تمتد على نصف عام كامل بأيامه ولياليه فذلك ما سجله طوفان الأقصى وما مثل تحوّلا نوعيّا وتاريخيّا في مسار النضال العربي في مواجهة الكيان الصهيوني مقارنة مع مواجهات سابقة مثلما حدث في 1967 و1973 و 1982 و2000. ولئن قدم شعبنا الأبي في فلسطين خلال هذه المدّة تضحيات جساما فقد عبّر مرّة أخرى على أنه شعبٌ هُمام تقوده مقاومة لا تكلّ ولا تنام.

تهاوي الكيان الغاصب
أسقطت المقاومة خلال نصف العام الذي انقضى نظرية الحرب الخاطفة الصهيونية مؤكدة أن ” الجيش الذي لا يُقهر ” نمرٌ من ورق وأوهن من بيت العنكبوت وتم قهره في ثكناته. فقد عكس هذا الجيش بوضوح “مجتمعا” صهيونيا مترهّلا مفكّكا وقع تركيبه في غفلة من الزمن. لكنّ أصحاب أرض فلسطين قالوا كفى لهذا الاستعمار الاستيطاني البغيض، كفى للظلم والقهر والإبادة والتهجير والتجويع. شعبٌ ولّد مقاومة باسلة هزّت كل المسلّمات السائدة وقلبت الموازين ووضعت زوال هذا الكيان على السكة. والتهبت شعلة تحرير فلسطين في كل مكان تحرق آلة العدو ومستوطنيه مُكذبة خُطط القضم التدريجي وتمرير التطبيع الشامل وغيرها .
محورُ مقاومةٍ فاعل
فتحت المقاومة الإسلامية اللبنانية الجبهة الشمالية وفتت جهود الصهاينة وسدّدت ضربات نوعية للعدو في أبرز قواعده العسكرية الإستراتيجية مع تهجير عشرات الآلاف من المستوطنين من شمال فلسطين بعد أن ظنوا أنه أصبح ملكهم ولن يتجرّأ أحد على المساس بهم .وتمكّن اليمن بقيادته الوطنية وجيشه الباسل وشعبه الأبيّ من خنق العدو الصهيوني وحلفاءه اقتصاديا فأغلق عليه باب المندب أحد أهمّ الممرات الدولية دون أن ينفع معه العدوان الأمريكي – البريطاني وأردفه برشقات صاروخية أصابت أهدافا استراتيجية. وبرزت مقاومة عراقية ناشئة استنزفت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا وأجبرت الأمريكان على التفاوض لسحب قواتهم من المنطقة منتقلة إلى الاستهداف اليومي للمراكز الحيوية الصهيونية. ووراء الصورة تقف دولة وطنية سورية صامدة في وجه العواصف العاتية وقوة إيرانية مساندة للمقاومة تحدّت العدو الأمريكي والصهيوني أكثر من أربعين سنة.
فلسطين محور العالم
غيّرت المعركة خلال نصف عام السردية الصهيونية المضللة لدى الرأي العام العالمي إلى وعي بعدالة القضية الفلسطينية ومشروعيتها وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير في وجه كيان نازي مجرم ليس له ذرّة من الإنسانية. فأضحت فلسطين تتصدر شواغل العالم بل تهزّ تركيبة الأنظمة والحكومات وخاصة خلال الحملات الانتخابية مثلما هو الحال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية حاليا والاختلاف داخل دول الاتحاد الأوروبي حول الموقف مما يجري في غزة ممّا يؤكد تراجع الاستفراد الأمريكي والغربي والصهيوني بمصير العالم أمام قطبية متعددة تنمو لتأخذ فيها روسيا والصين مكانة دولية ثابتة وتتميز فيها بلدان مثل إيران والبرازيل وجنوب أفريقيا بمواقف تاريخية جريئة.
نصف عام من الفرز
أتاح نصف عام من طوفان الأقصى فرزا حقيقيا بين أنصار تحرر فلسطين والمشككين فيه. فهناك من أدان المقاومة وسعى إلى إلقاء المسؤولية عليها فيما وقع ويقع في غزة من مجازر مانحا صكّ براءة للعدو الذي تُعتبر مقاومته واجبا مقدّسا. وهناك من أطلق تصنيفات عقائدية مثل القول بأنّ حماس السنية “اخوانجية “وأنصار الله وحزب الله والمقاومة العراقية شيعية مغيّبا جوهر المواقف الوطنية التي تقود الجميع . أما آخرون فأصدروا من غُرفهم النظرية المغلقة الأحكام” العسكرية ” مثل أنّ مساهمة حزب الله دون المأمول مستعيضين بأنفسهم عن غرف عمليات المقاومة الميدانية وغيرها من السموم التي تقلب الحقائق وتثبّط العزائم وتفكّ التعبئة وتحوّل هزيمة العدو إلى نصر وهمي وفي النهاية تصطف في خانة العداء لطوفان الأحرار.
طوفان تونس في نصف عام
استمرّ على مدى نصف عام ودون كلل طوفان الدعم الرسمي والشعبي المبدئي في التنديد بالعدوان وإسناد المقاومة فتم تجميع المساعدات المالية والعينية وانتظمت العديد من المسيرات الشعبية وتحولت كل التظاهرات الثقافية والشبابية إلى مناسبة للاهتمام بالشأن الفلسطيني وهتفت الجماهير الرياضية وتغنت بفلسطين وانتظمت العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام سفارات الدول المساندة للعدوان ومن أهمها الوقفة الأسبوعية أمام سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بتونس. ومن آخر التظاهرات المسيرات الضخمة في عدد من المدن التونسية مساء 30 مارس بمناسبة إحياء يوم الأرض ومساء 5 أفريل بمناسبة إحياء يوم القدس العالمي. لكن ما ميز المشهد التونسي خلال نصف العام من الطوفان الفلسطيني المواقف الوطنية لرئيس الجمهورية قيس سعيد الذي لم يترك أيّ فرصة إلاّ وعبّر على المساندة المطلقة لنضال الشعب الفلسطيني وحقه في استرجاع كل فلسطين وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس إلى جانب الإذن بتوجيه المساعدات إلى غزة واستقبال الجرحى وعلاجهم مؤكدا ما قاله الزعيم الشهيد ياسر عرفات “فإذا ضاقت بكم السبل فاذهبوا إلى تونس فإنّ بها شعبا يعشق فلسطين.”