بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 5 فيفري 2024

ما انفكّ طوفان الأقصى يملأ الدنيا ويشغل الناس باعتباره منعرجا حاسما ليس في مسار قضية فلسطين فحسب بل في الوطن العربي وفي العالم ولم يبالغ المناضل أبو عماد رامز القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة عندما قال في افتتاح ” ملتقى تونس لدعم المقاومة” الذي انعقد في شهر جانفي الماضي: ” إذا كانت حرب أوكرانيا قد غيّرت مصير أوروبا فإن معركة غزة ستُغيّر مصير العالم”. لذلك من الطبيعي أن تؤدي هذه التطورات الكبيرة إلى نوع من الالتباس لدى البعض. وهذه نماذج من أهمّ التساؤلات التي أثارها طوفان الأقصى متبوعة بأجوبة عنها.

أولا: طوفان الأقصى: هجوم أم دفاع؟

أجابت حركة حماس على هذا السؤال في وثيقة أصدرتها مؤخرا تحت عنوان ” هذه روايتنا لماذا طوفان الأقصى؟” فذكّرت العالم بأن المعركة مع الاحتلال لم تبدأ يوم 7 أكتوبر 2023 بل منذ أكثر من قرن، كما أن الشعب الفلسطيني وسكان غزة بالخصوص يعانون طوال سبعة عشر عاما من القتل والحصار. ولم ينفع القانون الدولي الشعب الفلسطيني لاستعادة حقه بل وقع دوسه وتحويله لأداة لابتلاع كل فلسطين ومقدساتها ودفن الأسرى أحياء. لذلك كان أسر ضباط وجنود صهاينة من أجل تبييض السجون. كما مثل طوفان الأقصى استجابة ضرورية لمواجهة ما يحاك من مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والسيطرة على الأرض وتهويدها وهو خطوة طبيعية للتخلص من الاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية.

ثانيا: ما الجدوى من رفع قضية بالكيان الصهيوني؟

رغم الوعي بمحدودية الآليات القانونية في وقف العدوان الصهيوني على غزة فإن رفع جنوب إفريقيا قضية لدى محكمة العدل الدولية واتهام الكيان الصهيوني بشن حرب إبادة يعتبر اختبارا بل تحديا للمجتمع الدولي. كما أن قبول الدعوى يُعدّ في حدّ ذاته انتصارا للشعب الفلسطيني علما أنها المرة الأولى منذ سنة 1948 التي يدان فيها الكيان الصهيوني في هذه المحكمة. وستكون الخطوة الموالية رفع الحكم إلى مجلس الأمن الدولي وهو ما بادرت به الجزائر. ومهما كان موقف هذا المجلس فإن الرهان الرئيسي لتحرير فلسطين يبقى المقاومة الميدانية التي هي في حاجة إلى الإحاطة بمناخ شعبي وسياسي وإعلامي ودبلوماسي يساهم في فضح الكيان المحتل وإدانته بما يسهل القضاء عليه.

ثالثا: من المسؤول على فتح معبر رفح؟

بقدر ما تتواصل معاناة سكان غزة من آثار العدوان الصهيوني بقدر ما تزداد الحاجة لإدخال المعونات لإنقاذهم من خطر الموت جوعا وعطشا إن لم يموتوا جراء القصف. ويعتبر مطلب فتح معبر رفح استحقاقا مشروعا بكل المقاييس الإنسانية والقانونية والسياسية وخاصة ما تتضمنه المواثيق الدولية من ضرورة إيجاد ممرات إنسانية زمن الحروب. غير أن مصر بصدد التعرض إلى تهديدات غربية لقبول تهجير سكان غزة إلى سيناء. وها أن أحد الوزراء الصهاينة يدعوها إلى فتح المعبر لمرور سكان غزة إلى سيناء للاستقرار بها. لكن مصر رفضت مخطط التهجير رغم الإغراءات الغربية بإلغاء ديونها وإغداق التمويلات عليها. لذلك لا تقتصر مسؤولية المعبر على النظام المصري بل تندرج ضمن وضع شامل للصراع مع الكيان المحتل تلقى فيه المسؤولية على كل معنيّ بالدفاع عن الحق الفلسطيني.

رابعا: أي دور لسوريا زمن طوفان الأقصى؟

تراءى للبعض أن سوريا نأت بنفسها عما يجري في غزة منذ انطلاق طوفان الأقصى بعد أن كانت داعما قارا لقضية فلسطين. والحقيقة أن سورية ما زالت تعاني من آثار الحرب التي شُنّت عليها فضلا على الحصار الاقتصادي بما أدّى إلى دمار هائل في البنية التحتية والاقتصاد والحياة الاجتماعية مع بقاء بعض المناطق خارجة عن سيطرة الدولة المركزية تتجمع فيها فصائل ذات ارتباطات أجنبية تتربص بأي ثغرة لإعادة الوضع إلى المربع الأول. ومن ناحية أخرى لعبت سوريا دورا كبيرا في إسناد الطوفان من ذلك أنّ جزءا من أسلحة طوفان الأقصى في غزة سلاح سوري مما يفسر الضربات الصهيونية والأمريكية ضدّ عدّة مواقع في سوريا. وعليه لم تخرج سورية من المعركة الطوفان بل تقوم بدورها في إطار تنسيق محكم مع محور المقاومة.

خامسا: ألم يتراجع أداء الشارع التونسي ؟

لا يمكن أن يقتصر التقييم على ما يقع من تحركات ومسيرات في الشارع بل ما يقع في المشهد برمته ذلك أنّ الشعب التونسي لم بتوقف لحظة عن تقديم مختلف أشكال الدعم فقد شهدنا قيام شباب بحملات لمقاطعة المؤسسات والبضائع ذات المنشأ الصهيوني والأمريكي. وعجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتفاعلات منقطعة النظير تحدّت المشرفين عليها. وتحوّلت التظاهرات الثقافية إلى تظاهرات حول فلسطين. وانتظمت عدة مسيرات ووقفات احتجاجية أمام سفارات الدول الداعمة للكيان الصهيوني مثل سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأخرى منوّهة أمام سفارات الدول الداعمة لفلسطين مثل سفارة جنوب إفريقيا. كما لم ينفك رئيس الجمهورية يثير قضية فلسطين مستغلا كل المناسبات بما فيها تلك التي لم يتضمن جدول أعمالها قضية فلسطين وآخرها تدخله في افتتاح قمة إيطاليا – إفريقيا فضلا على ما أذن به منذ 7 أكتوبر من إرسال مساعدات إلى غزة واستقبال جرحى لعلاجهم. وقد يكون تراجع حملات التبرع ناتجا عن تواصل غلق المعبر رفح مما يجعل العودة إلى التبرعات مؤكدا بمجرد فتحه.

لقد كانت لطوفان الأقصى عدّة بركات من أهمها رصّ الصفوف بين كل القوى السياسية والاجتماعية ودفعها إلى الترفّع على خلافاتها الثانوية بما أتاح الفرصة لفرز حقيقي بين من يؤمن حقا بالحق الفلسطيني ومن يتظاهر به.

طوفان الأقصى يطوي شهرهُ الرابع: قراءةٌ في تحدّياته وكشفٌ لبركاته
أنشره