
بقلم: الحبيب السماوي – الشروق: 27 نوفمبر 2023
اعتبرت منظمة الأمم المتحدة منذ سنة 1989 تاريخ 20 نوفمبر من كل عام يوما عالميا للطفل إحياء لصدور الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، هذه الاتفاقية التي تضمنت الحقوق الأساسية للطفل ومن أبرزها الحق في الحياة والنماء والبقاء والصحة والتعليم وحمايته وحماية أسرته ومنزله من كل اعتداء والتي التزمت الدول المصادقة عليها على احترامها وتكريسها.
إلا أن إحياء الذكرى الرابعة والثلاثون لهذه الاتفاقية شهدت سقوطا مدويا لحقوق الطفل على أيدي الكيان الصهيوني الذي صادق هو نفسه عليها وخرقا لكل ما ورد بهذه الاتفاقية على أيدي عديد الدول الغربية على غرار أمريكا وفرنسا وبريطانيا… دول طالما أصمّت آذاننا بدفاعها على حقوق الطفل. إنه لمن مهازل هذا العالم الذي يدعي الدفاع على حقوق الإنسان أن يبقى متفرجا بل مؤيدا لما يقوم به الكيان الصهيوني على مرأى ومسمع من الجميع من اعتداءات همجية وبربرية على الفلسطينيين العزل وخاصة الأطفال بما تجاوز اليوم 15 ألفا شهيدا من بينهم ما يناهز 6 آلاف طفل فضلا على المصابين والمفقودين.
ووصلت وحشية الصهاينة إلى قطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء مما اضطر العديد من الأطفال إلى مرافقة عائلاتهم إن بقي من بينهم أحياء، إلى النزوح والعيش في خيام تفتقد لأبسط مقومات الحياة يذكرنا بنكبة 1948. كما اغتالوا النساء والأمهات والآباء حارمين الآلاف من الأطفال من رعاية الأم وحنان الأب. ويعاني الأطفال المرضى والمصابون بأمراض الويلات من غياب الدواء والمستلزمات الطبية إلى درجة إجراء عمليات جراحية عليهم دون بنج. قصص مؤلمة ومؤثرة تم توثيقها حول استشهاد أُسرٍ بأكملها وعجز عن التعرف عن هوية أطفال باقين على قيد الحياة بعد العثور عليهم تحت الأنقاض مما دفع الأهالي إلى كتابة أسماء أبنائهم على سلسلة بالرقبة أو بأي شيء يترك أثرا للطفل للتعرف على هويته عند تعرضه إلى مكروه. وقد روى مدير مستشفى الشفاء حادثة نادرة حصلت مؤخرا وهي أن طفلا كُتبت شهادة وفاته قبل شهادة ميلاده.
لقد كشفت هذه الجرائم حقد الكيان الغاصب المحموم للقضاء على أرحام النساء مصدر خصوبة هذا الشعب الأبي خشية منه من ولادة جيل متشبع بالوطنية سيرث عن آبائه وأجداده حب الأرض والدفاع عنها وتحريرها. وقد سطّر الأطفال فصلا آخر من فصول ملحمة طوفان الأقصى حيث أبدى العديد منهم نضجا ووعيا يضاهي الكهول مردّدين ” وعهد الله ما نرحل” وخرجوا من بين الأنقاض ملوحين بعلامات النصر وسائرين على درب أطفال الحجارة الذين كانون ضمن من فجر الانتفاضة الأولى في مثل هذه الفترة من سنة 1987. وتذكرنا هذه المشاهد البطولية بالأنشودة الرائعة الموجهة للأطفال ” ارسم شجرة ” التي طالما رددها أطفال تونس في أنشطتهم والتي لحّن كلماتها الفنان الليبي محمد حسن وكتب كلماتها الشاعر والرسام الكاريكاتوري الفلسطيني الشهيد ناجي العلي المعروف بأبو حنظلة مختتما بالأبيات التالية: ” فإن منعوا عنك الغذاء ارسم بستاناً، وإن منعوا عنك الدواء ارسم وطناً، وإن منعوا عنك الهواء ارسم فلسطين، لا تساوم … ارسم وقاوم”. فها هم أطفال فلسطين يواصلون مسيرة المقاومة ويرسمون طريق التحرير.
وإذ نستنكر جرائم الصهاينة تجاه الأطفال وإذ نندد بالبلدان الغربية التي تمارس النفاق حول حقوق الطفل فلا بد من الإشادة بما قام به الأولياء والمربون والمنظمات المعنية بالطفولة في تونس ومن بينها على سبيل الذكر المنظمة التونسية للطفل منذ انطلاق طوفان الأقصى من توعية للأطفال بالحق الفلسطيني على غرار التعريف بتاريخ فلسطين وجغرافيتها وترديد الأناشيد الفلسطينية والتعريف بالتراث الفلسطيني من لباس وعادات ومأكولات ورسم علم فلسطين وخريطتها. وقد روى أحد تجار المواد المكتبية أنه لاحظ في الفترة الأخيرة طلبا كبيرا على مواد بها أربعة ألوان بالذات وهي الأبيض والأسود والأخضر والأحمر إلى حدّ نفاذها واكتشف أنها ألوان علم فلسطين التي لخّص دلالاتها الشاعر صفي الدين الحلي:” بِيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وقائِعُنا خضرٌ مَرابعُنا، حُمرٌ مَواضِينا “. وترمز الصنائع البيض إلى الأعمال الخيّرة والصفات الحميدة التي يتميز بها العرب والوقائع السود إلى المعارك الشرسة والمرابع الخضر إلى الأراضي الخضراء التي يقدسها العرب، أما المواضي الحُمر فهي السيوف الماضية القاطعة المُخضبة بدماء الأعداء مغتصبي الأرض.
إن مساندة أشقائنا في فلسطين في هذه الظروف وفي كل الظروف يمرّ عبر عدّة أشكال ومن بينها تربية أطفالنا على حبّ فلسطين الذي لا يقلّ أهمية على تعليمهم حبّ تونس وحبّ العلم وحبّ العمل فهي معركة متكاملة وشاملة من أجل التطور والتقدم والتحرر.