قانون للإنعاش الاقتصادي أم لتسوية مخالفات الصرف؟

بقلم د. بدر السماوي

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 23 جويلية 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

تعمدت طرح التساؤل بهذه الطريقة رغم أن القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب الأسبوع الماضي كان تحت عنوان ” الإنعاش الاقتصادي وتسوية مخالفات الصرف”. فقد منح هذا القانون كل من حصل على أموال بالعملة الصعبة بقطع النظر عن مصدرها حتى إن كان تجارة المخدرات أو أخفاها أو هرّبها إمكانية التصريح بها وإيداعها في بنك مقابل دفع مساهمة بعشرة بالمائة من المبلغ المصرح به دون أن تسلط عليه عقوبة وعفا الله عما سلف بما يعني أن هذا القانون وُضع أساسا على مقاس مجموعة من المهرّبين والمتهربين وأصحاب النفوذ المالي لتببيض أموالهم.

أما موضوع الإنعاش الاقتصادي فلم يكن سوى تضليل وتمويه لأن موضوعا بمثل هذا الحجم لا يتم البت فيه في مثل هذه الظروف الاستثنائية فضلا على ما سبقه من قوانين مشابهة تم سنّها خلال السنوات الماضية دون أن نرى لها أثرا في الواقع. ونذكر منها قانون الاستثمار لسنة 2016 وقانون الشركات الناشئة لسنة 2018 وقانون تحسين مناخ الاستثمار لسنة 2019 علاوة على إجراءات أخرى ضمن قوانين المالية. وللتذكير فقد أحيل مشروع القانون لأول مرة من قبل حكومة الفخفاخ على مجلس نواب الشعب في جويلية من السنة الماضية تحت عنوان ” قانون تنشيط الاقتصاد وإدماج القطاع الموازي ومقاومة التهرب الجبائي” . وبقطع النظر عن التغيير الذي أدخل على العنوان لم يقدم القانون في صيغته النهائية إضافة في مجال إدماج القطاع الموازي ومقاومة التهرب الجبائي حيث تم خلال السنوات الماضية سن إجراءات مماثلة دون أن يتم تقييمها إلى اليوم ومعرفة أثرها. ومن آخر هذه الإجراءات تشجيع أصحاب الدخل غير القار على الانخراط في المنظومة الجبائية وفي منظومة الضمان الاجتماعي الوارد في قانون المالية لسنة 2019. ولأجل كسب عطف الرأي العام عمدت الحكومة إلى حشو القانون ببعض الإجراءات التي تبدو في صالح المواطن العادي مثل إسناد قروض سكن تسدد على مدى أربعين سنة بنسب فائدة محدودة وهي إجراءات شعبوية غير قابلة للتطبيق.

ولئن أصبح من البديهي عجز هذه الحكومة وحزامها السياسي على تقديم حلول ولو جزئية للأزمة المالية والاقتصادية للبلاد إلا أن الخطير إقدامها على تمرير تشريعات تشجع المهربين ومبيضي الأموال على عدم القيام بواجباتهم الجبائية في حين يتم خصم الأداءات من المورد بالنسبة للأجراء وإجراء المراقبة الشديدة وتسليط أشد العقوبات على المستأجرين الممتثلين للقانون. والحقيقة أن سن قانون يحمي المهربين غير مستغرب من برلمان صعد بعض نوابه بتمويل مشبوه مثلما كشف ذلك تقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019. كما عكس التصويت على هذا  القانون داخل مجلس نواب الشعب حقيقة كل كتلة فقد دافعت عنه حركة النهضة وحلفاؤها وشن عليه الحزب الدستوري الحر حملة كبيرة بينما ارتأت كتل أخرى تغيير مواقفها ما بين جويلية 2020 وجويلية 2021 حسب موقعها في الحكم أم في المعارضة بمن في ذلك من قدم لاحقا طعنا في القانون.  

إن الإنعاش الاقتصادي لا يمكن أن يتم بمثل هذه الإجراءات وخاصة منها ما سمي بتسوية مخالفات الصرف بل بإعداد رؤية شاملة تكون قاطرته القطاع الفلاحي وذلك من خلال خلق بنية أساسية وتعبئة موارد مائية جديدة تحقق الأمن الغذائي. كما يمر الإنعاش الاقتصادي عبر تشجيع الصناعات الوطنية وحمايتها ومنع التوريد العشوائي. ومن واجب الدولة على شرط توفر الإرادة السياسية الوطنية المبادرة بإحداث مشاريع اقتصادية ضخمة ذات مردودية اقتصادية كبرى وقدرة تشغيلية عالية إلى جانب الشروع بصفة جدية في إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية مثلما يطرح عليها العمل على توفير موارد مالية للميزانية عبر التحكم في مواقع إنتاج الثروات الطبيعية وتطبيق العدالة الجبائية.

قانون للإنعاش الاقتصادي أم لتسوية مخالفات الصرف؟
أنشره