تقوم الحكومة التونسية بحملة مُمنهجة لإدانة النظام الليبي، سواء كان ذلك عبر بيان وزارة الخارجية الذي تحدّث عمّا سمّاه “انتهاكات” لحرمة التراب التونسي أو عبر حملات إعلامية تضليلية مفادها أنّ ما يسمّونها “كتائب القذافي” دخلت التراب التونسي وأطلقت النار وأصابت بعض المواطنين التونسيين.. في حين ذهبت إذاعة تطاوين أبعد من ذلك فادّعت كذبا أنّ هذه “الكتائب” دخلت شوارع مدينة الذهيبة وقتلت مواطنة تونسية وجرحت آخرين.

وهي كلّها ادّعاءات لا أساس لها من الصحة، ومعلوم أنّ مدينة الذهيبة تبعد ثلاثة كيلومترات عن المعبر الحدودي وأنّ الجيش الليبي لم يتجاوز دخوله التراب التونسي مسافة قصيرة ولم يدخل بالتالي إلى وسط المدينة كما ادعت إذاعة تطاوين المُغرضة. ولم يَقم الجيش الليبي بإطلاق النار بل على العكس من ذلك فعند دخوله التراب التونسي كان عُرضة لهجوم بعض “اللاجئين” الذين كانوا قريبين من المعبر والذين قاموا بقذف الجنود الليبيين بالحجارة.

وفي الوقت الذي تعمد فيه السّلطات التونسية وإعلامها لشنّ حملة على الجيش الليبي تقوم بتقديم كافة التسهيلات لما يُسمّى “الثوار الليبيين” بدعوى “مساعدة الأشقاء”، بل إنّ هؤلاء “الثوار” أصبحوا يتنقلون داخل التراب التونسي ببزّاتهم العسكرية وسياراتهم التي لا تحمل لوحات منجميّة ومن بينها سيارات مدنية وأخرى عسكرية رباعية الدفع. وتشاهَد هذه السيارات وهي تتجوّل في الذهيبة ورمادة وتطاوين ومدنين وقابس وغيرها من المدن التونسية. وقد أكّد الأهالي أنّ العديد ممّن يُسمّون بالـ”الثوار” المتواجدون على أرض تونس يُخفون السلاح أو يحملونه بشكل سرّي فضلا عن السماح لهم ولإعلاميين من قنوات فضائية مأجورة باجتياز الحدود ذهابا وإيّابا يوميا ودون تحرّي. وهنا يقفز السؤال: لماذا تعطي السّلطات هؤلاء “الثوار” المزعومين كلّ هذه التسهيلات سواء عبر الحدود أو داخل مختلف المدن التونسية من ناحية، وتقيم الدنيا ناحية من أخرى عندما يدخل بعض الجنود الليبيين بضعة مئات الأمتار داخل التراب التونسي؟ ثم ألا يُمثل تذرّع هؤلاء “الثوار” بإعانة العائلات الليبية بهدف الانتشار معها في مختلف المدن التونسية خطرا داهما؟ ثم لماذا يُعتبر دخول الجيش الليبي للتراب التونسي انتهاكا، في حين لا يُعتبر انتشار ما يُسمّى “الثوار الليبيين” عبر الذهيبة وصولا للقصرين انتهاكا؟

ولماذا هذا المعيار المزدوج وماذا يحمل من نوايا خفيّة؟

إنّها مقدمة للبحث عن ذرائع لتقديم تسهيلات لتواجد قوّات الحلف الأطلسي في الجنوب التونسي على الحدود مع ليبيا باسم حماية التراب التونسي من الخروقات استكمالا لحصار ليبيا وتسهيلا لتنفيذ الهجوم البرّي الذي تخطّط له قوات الحلف الأطلسي على ليبيا بعد استنفاذ دور الغارات الجوية في العدوان، ولذلك قفز على السطح منذ البارحة أصواتا تتحدث عن حق تونس في الدعوة لانعقاد مجلس الأمن لتقديم شكوى ضد الحكومة الليبية بحُجّة الانتهاكات المزعومة.

فهل أنّ دخول الجيش الليبي إلى التراب التونسي يُعدّ انتهاكا، في حين أنّ دخول قوات الأطلسي لجزء من أراضينا يُعدّ دفاعا عن حرمة الأراضي التونسية ولا يُعدّ انتهاكا؟ هل لهذا الحد انقلبت المفاهيم؟

 إنّ السيناريو الذي نعيشه الآن أعِدّ سلفا بحيث أنّ قوّات الحلف الأطلسي تعتدي جوّا على ليبيا وتحاصرها ثم تعمد في حالة الصمود إلى الهجوم البرّي عليها، ويبدو أنّ الحلف الأطلسي اختار أرضنا ليبدأ منها هجومه البرّي على ليبيا الشقيقة.

إنّ من يعمل في هذا الاتجاه ويحاول أن يكرّس هذا المنحى الخطير لا يُراعي العلاقات التاريخية التي تربطنا بشعبنا في ليبيا ولا يراعي ما ربطنا بليبيا طيلة العقود الماضية ولا يراعي حسن الجوار. وكان الأجدر أن يرفض هؤلاء التدخّل الأطلسي الذي يستهدف ليبيا ويقتل أهلنا هناك وأن يتدخّلوا بالصلح بين الطرفين المتنازعين في ليبيا، لا أن يقفوا مع طرف ضد الطرف الآخر.

نحن نقدّر المواقف الوطنية التي لا تعتبر ما قامت به القوّات الليبية خرقا للحدود والتي تقطع الطريق على تقديم تونس لشكوى لمجلس الأمن ضد جارتنا ليبيا والتي تفتح، إن حدثت لا سمح الله، الطريق أمام القوّات الأطلسية لتتدخّل في تونس وليبيا معا. 

وأخيرا ندعو مختلف القُوى الممثلة داخل السلطة وفي بعض الأحزاب السياسية في تونس إلى مراجعة موقفها واتخاذ الموقف الوطني المُشرّف الذي يُراعي حسن الجوار ومصلحة أمّتنا ومصلحة شعبنا في تونس.

                                                                           – فيفري 2011 –

لن يكون التراب الوطني التونسي موطنا للعدوان الأطلسي على ليبيا الشقيقة
أنشره
الموسومة على: