مبادرة ”إنقاذ وطني“.. أم محاولة ”إعادة منظومة 24 جويلية”؟..

صوت الوطن –  العدد 67 – 12 جويلية 2023  ( عدد خاص)

نصّت المبادرة على مشروع إنقاذ عاجل وشامل يقوم على تبنّي عقد سياسي واقتصادي واجتماعي جديد ملزم لكل الأطراف المتفقة عليه. وتتضمن خمسة إجراءات:

1. تنقية المناخ العام عبر التصدّي للانتهاكات التي تطال الحقوق والحريات

2. اعتماد خارطة طريق للإنقاذ السياسي تنطلق بالاتفاق على حكومة

3. مأسسة الحوار داخل “منتدى تونس المستقبل”

4. إعداد الأرضية الدستورية والقانونية لاستئناف المسار الديموقراطي

5. التحضير لانتخابات عامة بلدية وتشريعية ورئاسية تنتظم في مارس 2024

الحوار مدخل للمحاصصة

يتضح من نظرة أولى لهذه النقاط أننا أمام نفس معزوفة قوى 24 جويلية وهي معزوفة التباكي على الديموقراطية والتي تعني إعادة منظومة الدمار والخراب والفوضى وعدم محاسبتها وبالتالي إنقاذ الموقوفين الذين أجرموا في حق الوطن. كما تهدف المبادرة إلى إسقاط الحكومة واستبدالها بحكومة يعيّنها هؤلاء بالتوافق أي بالعودة للمحاصصة. وتتم هذه الإجراءات عبر إطلاق حوار لا ينتهي بينما رفضوا دون غيرهم من المنظمات والجمعيات الدخول في الحوار الذي دعاهم له رئيس الجمهورية في جوان 2022 لأنهم يريدون حوارا واسعا تستغله بعض مراكز النفوذ والقوى المشبوهة لتمرير خططها والسيطرة على مقدّرات الدولة.

نسف مسار 25 جويلية

إن الدعوة إلى إعداد الأرضية الدستورية والقانونية لاستئناف المسار الديموقراطي تمثل فسخا لدستور 2022 والدعوة لدستور جديد لا يختلف على دستور 2014 باسم استئناف المسار الديموقراطي وكأن إيقاف مسار حكم النهضة التدميري كان وقفا للمسار الديموقراطي. أما الانتخابات المقترحة فتعني إقالة رئيس الجمهورية من خلال الدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية في مارس 2024 أي قبل 8 أشهر من موعدها المقرر في نهاية سنة 2024. وتعني أيضا الضرب عرض الحائط بالبرلمان الحالي المنتخب. كما دعت الوثيقة إلى وجوبية الحياد السياسي للجيش والأمن بما يوحي أنهما اليوم غير محايدين أي “أنهما غير مضمونين” على قول أحدهم ذات يوم.

مرحلة انتقالية إلى الوراء 

نصت المبادرة على إدارة مرحلة انتقالية بواسطة “الهيئة العليا للإصلاح الدستوري وإنفاذ العقد الجمهوري” التي تتولى الإعداد لانتخابات عامة حرة ونزيهة وتعددية. وتساهم الهيئة في تشكيل الحكومة ومراقبة أعمالها. وتتشكل بمرسوم من الرئيس وترأسها شخصية مستقلة ونزيهة وتتكون من الأحزاب والمنظمات والجمعيات . ومن مهام هذه الهيئة إعداد وصياغة دستور ديموقراطي يتناسب مع الواقع الذي أفرزته الثورة والتوزيع المتوازن للسلطات لعدم التغوّل ومراجعة النصوص التشريعية المتعلقة بالتنظيم السياسي والانتخابات. وتتوزع السلطة بين الرئيس والحكومة الانتقالية التي ستضم 15 وزيرا تنفذ خطة الإصلاح الاقتصادي المقدمة في المبادرة. ويصبح رئيس الحكومة رئيسا في حالة الشغور.  إن هذا التصور يعني نسف المسار الذي انطلق منذ 25 جويلية 2021 والعودة إلى هيئة عياض بن عاشور بما يسمح بإعادة ترتيب أوراق المتآمرين وإحياء النظام البرلماني الذي أفرز لنا رئيسا طرطورا يمضي مراسيمهم.

العودة إلى النظام الانتخابي الفاشل

تطرح المبادرة مراجعة قانون الانتخابات والعودة إلى نظام القائمات مع التناصف ومع عتبة بين 5 و7 في المئة للحد من التشتت في البرلمان ولضمان الاستقرار الحكومي. فتتم الدعوة إلى انتخابات عامة بلدية وبرلمانية ورئاسية تحت إشراف هيئة مستقلة للانتخابات مع إعادة النظر في حرمان مزدوجي الجنسية من الترشح والتخلي عن شرط عدم الجمع بين الوظيفة التشريعية ووظائف أخرى والعودة لنظام التمويل العمومي للانتخابات واسترجاع المصاريف.  وهكذا نعود إلى ما كنا عليه قبل 25 جويلية بكل بساطة أي رسكلة جديدة لمنظومة الربيع العربي وما يعنيه من تدمير لمؤسسات الدولة.

إعادة قضاء البحيري

تتضمن المبادرة إعادة القضاة المعفيين لمهامهم وإطلاق سراح  الموقوفين ووقف محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية وإرساء هيئة إشراف وقتي على النظام القضائي بأنواعه الثلاث وإرساء تفقدية عامة للقضاء تكون لها صلاحيات موسعة وبعث هيئة رقابية مؤقتة لمكافحة وتقصّي الفساد وبعث لجنة خبراء لإعداد ومراجعة شاملة للقوانين المنظمة للقضاء وبعث هيئة مؤقتة للنظر في دستورية القوانين. إذن هي تخمة من الهيئات المؤقتة للقضاء خلاصتها إعادة الفاسدين والمرتشين بما يؤدي إلى غلق الملفات الحارقة التي تسببت في تعفين الوضع العام بالبلاد مثل الاغتيالات.

الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للتمويه

تشرف الدولة على وضع الاستراتيجيات وتكون مسؤولة على جودة المناخ الاجتماعي والاقتصادي والبنية التحتية وبعث المؤسسات ونجاعة الإدارة والعدالة والأمن والتربية والتكوين والحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر والتفاوت الاجتماعي والجهوي ونبذ البيروقراطية وحماية القدرة الشرائية ومراجعة سياسة الأجور والجباية الخ.. أما على المستوى الاجتماعي فإن “البديل الديموقراطي الاجتماعي” هو “الهدف الاستراتيجي” مما يجعل المجتمع محصنا ضد التيارات الرجعية والشعوبية.

وهكذا اشتمل المجالان الاقتصادي والاجتماعي على محاور عامة بما يعني أنها مجرد حشو بل تمويه أما الرئيسي في المبادرة فهو المجال السياسي الذي يحمل كل السموم ويهدف إلى نسف مسار 25 جويلية.

مبادرة ”إنقاذ وطني“.. أم محاولة ”إعادة منظومة 24 جويلية”؟..
أنشره
الموسومة على: