تعتبر دور الشباب مؤسسات للتربية غير النظامية لاستكمال وظيفة المؤسسات التربوية من حيث الأنشطة الفكرية والفنية والرياضية وتفسح المجال للشباب لممارسة هواياته وصقل مواهبه وإبداعاته واستغلال أوقات الفراغ. ورغم تطور شبكة دور الشباب والبالغ عددها حوالي 354 دار شباب و32 مركب شبابي لكنها عجزت عن استقطاب الشباب واكتفت ببعض الفئات فما هي الأسباب التي أدت إلى عزوفهم عن ارتيادها.
في المقابل تشير العديد من التقارير والتحقيقات الصحفية إلى تراجع قيمة المؤسسات الشبابية. هذا التراجع يعود إلى جملة من العوامل لعل أهمها ضعف الميزانية المخصصة للقطاع بصفة عامة، إضافة إلى ضعف الدعم المخصص لهذه المؤسسات مما دفع عددًا منها إلى الغلق.
كما أن الوضعية الحالية لدور الشباب من حيث اعتماد أساليب ومضامين التنشيط الشبابي لم تعد تتلاءم مع عقلية الشباب المتجددة في ظل ثورة رقمية تستوجب التغيير المتواصل والسعي لاستكشاف رغباتهم وهو ما يدعو المنشطين إلى الرفع من قدراتهم وتجديد أساليب التنشيط واعتماد مضامين ملتصقة بهواياتهم وتعبر عن عمقهم الوطني والحضاري لمواجهة المد الفكري الغربي في ظل ما تروجه شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإفتراضية من أفكار خطيرة تستغل هشاشتهم النفسية في سن المراهقة. ويمكن في هذا السياق الاستشهاد بدور بعض المنظمات الشبابية في استقطاب الشباب بأساليب تنشيطية مبدعة وخلاقة ودون تكلف قريبة من الشباب على غرار الكشافة التونسية والمنظمة الوطنية لشباب تونس وهو ما يبرز أهمية تغيير الأساليب الحالية المعتمدة في سياق تغيير حقيقي يعتمد الشراكة مع هذه المنظمات في تسيير دور الشباب وتنشيطها.
كما أن بناء دور الشباب لم يتم وفق مقاييس واضحة من حيث موقعها الجغرافي لا سيما قربها من الأحياء السكنية للشباب لاسيما الأحياء الشعبية والمناطق الريفية مما جعل الشباب يبحث عن فضاءات أخرى يجد فيها ملاذه بعد أسبوع مضن من الدراسة فيرتاد المقاهي وينغمس في ألعاب أخرى وسلوكيات خطيرة عليه وعلى صحته كالمخدرات أو يرتمي في أحضان المجموعات الإرهابية بمختلف تفرعاتها خاصة بعد انتشار عدد من المنظمات التي تدعي النشاط الجمعياتي و المدني وهي في الحقيقة تقوم بدور تخريبي تستهدف من ورائه نشر أفكار هدامة معادية لمدنية الدولة بل كانت وراء توريط شبابنا في منظمات إرهابية ولا يخفى عنكم مآلاتها المؤلمة على وطننا والتغرير ببعضهم وتسفيرهم لسورية وليبيا.
وعلى صعيد آخر فإن الواقع الراهن للمنظومة التربوية أثر على الشباب حيث تغيرت نسبيا وظيفة المدرسة من فضاء تربوي تعليمي متنوع يقبل عليه التلميذ بكل شغف إلى فضاء منفر للتلميذ نظرا لكثافة المواد المدروسة وعدم تجديد البرامج والمضامين البيداغوجية مما يمنع التلميذ من ممارسة هواياته. إضافة لانتشار كيانات تربوية موازية بعد 2011 تضرب مكاسب المدرسة العمومية وقيم الانتماء للوطن ” مدرسة الرقاب ” كنموذج ومن هذا المنطلق من الأكيد مراجعة الزمن المدرسي كي يقدر الشباب على الترفيه عن النفس وتطوير مواهبه سواء داخل الفضاء التربوي أو الفضاءات العمومية الشبابية الأخرى.
إن نظرتنا للإحاطة بالشباب يجب أن تتغير وتتجاوز النظرة النمطية التقليدية أي التواجد في البناءات مثل دور الشباب على أهميتها واعتبار التنشيط الشبابي يقتصر على هذه الفضاءات وذلك في اتجاه تأسيس منظومة متكاملة يكون لمؤسسات الشباب دور أساسي بالعمل على التنقل أين ما يوجد الشباب واستثمار مثلا المؤسسات التربوية وغيرها من الفضاءات العمومية أيام العطل والآحاد في مجال التنشيط الشبابي وإقامة أنشطة دورية في إطار شراكة بين دور الشباب والمدرسة والجمعيات الشبابية والبلديات ودور الثقافة والمكتبات العمومية، حيث تتطور وظيفة دور الشباب من استقبال الشباب في مقراتها لتشمل تأطير الشباب في الفضاءات العمومية الأخرى والفضاءات المفتوحة وفق برنامج واضح ذو مضامين تنمي فيه روح الخلق والإبداع والانتماء الوطني والحضاري العربي الإسلامي.
لقد أثبتت تجربة خلية المتابعة والإسناد بمدنين التي تطوع للعمل ضمنها شباب مدينة مدنين وضواحيها من مختلف الجمعيات والمنظمات الشبابية في مواجهة الموجة الأولى لوباء الكورونة ومن بعدها تواصل عطاء الشباب وإقبالهم ضمن برنامج “عزيمة ” على المستوى الجهوي والوطني فقدم التضحيات وكان له دورا رئيسيا مع جنود الميدعة البيضاء وبواسل جيشنا الوطني عبر الإحاطة بالمواطنين وإرشادهم سواء بإقناعهم بضرورة التلقيح وكيفية التسجيل بالمنصة الرقمية أو بتنظيم حملات التلقيح والتواجد اليومي فكان شبابنا نموذجا يحتذي به وهو ما يعكس المخزون الوطني الحقيقي لشبابنا وقدرته على القيام بدوره الوطني والاجتماعي.
الطاهر الهازل * حبيب السماوي – جريدة الصباح – 23 جانفي 2022