شهدت سيدي بوزيد والمناطق المجاورة لها مؤخرا تحركات اندلعت اثر إقدام شاب على حرق نفسه نتيجة انسداد سبل الكسب والرزق أمامه وقد جاءت هذه التحركات بعد اندلاع أحداث مماثلة في الرديف وبن قردان نتيجة انسداد أفق التشغيل أمام العديد من الشباب وهي سمة عامة تشمل كل البلاد في ظرف تزداد فيه معيشة الجماهير صعوبة بسبب البطالة وارتفاع الأسعار.
وتُعتبر هذه التحركات الجماهيرية عفوية ومشروعة وهي تعبِّـر عن وضع الجماهير وانسداد أفق إيجاد الحلول في وجهها.
إن الوضع يتسم أساسا بغياب اقتصاد وطني، ففي سيدي بوزيد يغيب الربط الوطني بين الزراعة والصناعة كما في بقية أرجاء القطر وفي الرّديف يغيب خيار الاستفادة من الثروة الوطنية في صناعة وطنية يستفيد منها أبناء المنطقة وتعود بالخير عل كل البلاد في حين يتطلب الوضع في بن قردان تحقيق السياسة الوطنية والقومية التي تعمق الارتباط الأخوي والطبيعي بين تونس وليبيا لما فيه خير البلدين، ثم إن الالتجاء للرأسمال الإمبريالي لا يزيد الوضع الاقتصادي في البلاد إلا انهيارا في حين أن الالتجاء للرأسمال الوطني ضمن خطة إقامة اقتصاد وطني وسوق وطنية محمية من تدفق السلع والرساميل الأجنبية يبني اكتفاء ذاتيا ويبني اقتصادا وطنيا على مستوى كل القطر يواكبه تعليم وطني جوهره تكريس الهوية العربية الإسلامية يُعِدّ شبابا طموحا ومتفائلا متحفزا للعمل في مؤسسات وطنية لبناء بلده.
ونحن نناضل من أجل تكريس هذا التوجه الوطني لا بد أن نحاول مد الجسور للأقطار العربية عموما والأقطار المجاورة خصوصا لإقامة صرح اقتصاد وطني مشترك يوسِّع مجال التعامل والحلول وفق تصَور يحدد الحلفاء ويحدد الأعداء من إمبرياليين وصهاينة ذلك أن السقوط في مسايرة الإملاءات الإمبريالية يدفع وضعية الجماهير للاستفحال أكثر فأكثر ويسد الآفاق أمامها.
ثم إن الخيارات الوطنية تخلق أجواء من التضامن والوحدة سواء على مستوى القطر أو المستوى العربي وتوفّر أجواء الأمن والوئام المطلوبين.
وتـَحْدث في غضون ذلك المسار التغييرات الجوهرية والعميقة وصولا لضرب الأعداء الرئيسيين الذين يجب أن تُوَجَّه لهم السهام من إمبرياليين وصهاينة وتحرير كل فلسطين وهو طريق الخلاص الحقيقي.
إن المسألة الوطنية هي المحدِّدة وهي المعيار وعلى أساسها يكون الخلاص على كل المستويات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو غيرها، وعلى مستوى الأقطار وعلى امتداد الوطن العربي، ولا خلاص إلا بانتهاج هذا النهج الذي تحكمه قوانين موضوعية لا يمكن القفز عليها بأي حال من الأحوال.
تغيب كل هذه الأبعاد الإستراتجية من بيانات القوى السياسية التي نصَّبت نفسها قيادة للتحركات الجماهيرية فهي تحصر الأسباب في غياب “التنمية” و”العدل بين الجهات” و”الجانب الاجتماعي” وتصمت عن طبيعة الخيارات والإملاءات الإمبريالية التي تقف وراءها، وعوض البحث عن الأسباب والحلول الحقيقيين تُركز على النفخ في التحركات وتهويلها والعمل على تأجيجها والحديث عن «انتفاضة» موهومة عمَّت كل البلاد وصولا لتغيير السلطة وإحلال سلطة جديدة تحت إمرة هذه القيادة.
إن هذه القوى السياسية لا ترى الوضع الموضوعي كما هو ولا تبحث عن الحلول الحقيقية وتحاول أن تدفع الوضع في اتجاه تحقيق هدفها في السيطرة على السلطة.
إن القوى السياسية التي نصَّبت نفسها «بديلا» لا سند جماهيري لها لأن الجماهير تطمح وهي تتحرك بحثا عن الشغل وتحسين وضعها المادي والمعنوي تطمح إلى التحرر الجذري من كل القيود
التي تقيدها ذلك أن نظرة هذه القوى للجماهير سطحية وهي نظرة اقتصادية بحتة نُزعت منها الجوانب الروحانية والمعنوية والثقافية والسياسية الإستراتيجية.
ثم إن الجماهير لا تميل إلى التفجير وتبحث عن الطمأنينة والأمن ولا تستسيغ الالتجاء «للعنف» إلا في مواجهة أعدائها الرئيسيين وضمن قضايا نبيلة ومقدسة وواضحة تحقّق فيها مطالبها كاملة.
ثم من قال أن الجماهير تريد الإطاحة بالسلطة وأنها في «انتفاضة» ومن قال أنها ترضى بكم «بديلا».
ولذلك لا يمكن بأي حال قيادة الجماهير بهذه الطريقة واستبلاهها عن طريق بوق إعلامي وفرض أمر واقع وتسميته «بديلا». إن المسألة لا تنحصر في مواجهة السلطة أو عدم مواجهتها وإنما المسألة تكمن أساسا في تحقيق مطالب الجماهير الإستراتيجية.
إن الحث على التباغض سواء بانتهاج الأسلوب الأمني لمعالجة القضايا من طرف أجهزة السلطة أو بانتهاج أساليب خاطئة من طرف من نصّبوا أنفسهم «بديلا» مُدان لأن أهدافه ترمي إلى دفع البلاد في أتون حرب أهلية.
ثم إن انتهاج سياسة التفجير الداخلي تتماشى مع سياسات قوى إمبريالية تستهدف المنطقة وتدفع في اتجاه تأجيج التناقضات داخل كل قطر بأشكال مختلفة، “التقسيم” والدفاع المزعوم عن “الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان” وتكوين “لجان التقصي والتفتيش والمحاكم الدولية” منعا للأمة من أن تقوم بالتغييرات الإستراتجية داخلها وتتوحد وتحل مشاكلها الداخلية وتحرِّر أراضيها المغتصبة.
ولذلك نسأل القوى السياسية التي ركبت الأحداث الأخيرة لماذا غابت الأهداف الإستراتجية للإمبريالية والصهيونية من بياناتها. أما قناة «الجزيرة» التي ركبت الحدث وحاولت تأجيج الوضع في تونس فإننا نسألها عن سر صمتها مثلا عن القاعدة العسكرية الأمريكية الرابضة على أرض قطر منذ سنوات وهي من أكبر القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة ومنها قادت أمريكا حربها على العراق.
ثم لماذا توفر قناة «الجزيرة» منابر للصّهاينة لنشر سمومهم وتبرير جرائمهم، أيدخل ذلك في إطار توفير منابرها لـ “الرأي والرأي الآخر” وهو تغييب لثوابت الأمة وضربها.
وأخيرا لا بد من التأكيد أن أي طرف سياسي لا يمكنه أن يُنصِّب نفسه بديلا ويفرض أهدافه على الجماهير مهما كانت أساليبه ووسائله لذلك.
ومحاولة منا لإيجاد سبل الخروج من الوضع الحالي منعا للفتنة والتباغض نطالب بـ:
- محاسبة المسؤولين عن القتل ومحاكمتهم.
- فسح مجال الاستثمار للرأسمال الوطني للتخفيف عن هذه الجهات في المجالات الفلاحية والصناعية وغيرها.
- دعوة الاتحاد للمساهمة بما لديه من إمكانيات وعلاقات في هذا المجهود.
- القيام بحملة – كُلّ بما يقدر عليه – لإعانة أهالي جهة سيدي بوزيد وغيرها من القرى والجهات وزيارة العائلات المتضررة تجسيما لروح الوحدة الوطنية والتكافل.
- إيجاد إعلام بديل ومواجهة إعلام بث الضغينة والفتنة.
- إقرار خيارات وطنية على مستوى الاقتصاد والتعليم والثقافة والصحة وغيرها من المجالات وأن يقوم الاتحاد العام التونسي للشغل بدوره كاملا في هذا الاتجاه.
- تمتين الجسور مع الأقطار العربية المجاورة بما يعود بالفائدة على سكان المناطق الحدودية في الجانبين.
- الوقوف في وجه التدخلات الإمبريالية والتصدي لها.
تونس في 31-12-2010
لجنة إنقاذ الوطن