بقلم: الحبيب السماوي – الشروق : 08 جويلية 2022
استل العديد من المحللين رماحهم ليطلقوا أسهمهم نحو مشروع الدستور الجديد بدعوى إهماله الجوانب الاقتصادية مثلما تم الوعد به. وفي قراءة معمقة سنحاول العودة إلى ثناياه وتوضيح هل تم التغافل بالفعل على القضايا الاقتصادية. ففي التوطئة وقع التنصيص بوضوح تام على ” أن الديمقراطية الحقيقة لن تنجح إلا إذا كانت مشفوعة بديمقراطية اقتصادية واجتماعية وذلك بتمكين المواطن من حقه في الاختيار الحر ومن مساءلة من اختاره ومن حقه التوزيع العادل للثروات الوطنية”. كما تناول في باب الأحكام العامة (الفصل 13) أهمية دعم الدولة جهود تنمية قدرات الشباب كي يساهم في التنمية الشاملة للبلاد وذلك في مختلف المجالات بما في ذلك الاقتصادية والاجتماعية. وأكد في الفصل 15 على أهمية القيام بالواجب الضريبي بصفة عادلة واعتبار التهرب الضريبي الذي ينخر الاقتصاد جريمة في حق الدولة والمجتمع. وفي سياق المحافظة على ثروات الوطن وتوزيعها بصفة عادلة ومنصفة بين الأفراد والجهات أقر ضرورة موافقة مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم على عقود استثمار الثروات الوطنية. وأكد الفصل 17 على أهمية التكامل في المجال الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص.
وفي باب الحقوق والحريات تجلى الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الفصل 29 ” حيث أن حق الملكية مضمون ولا يمكن الحد منه إلا في الحالات وبالضمانات التي يضبطها القانون. وأكد على أن الملكية الفكرية مضمونة، فكل مواطن له الحق في امتلاك العقارات. وحمى الإبداع العلمي والفكري ليحول دون التعدي عليها لدورها في النهضة الشاملة لا سيما في عهد النقلة الرقمية مثلما نص على جملة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحق العمل في ظروف لائقة والحق في التعليم والصحة والتغطية الاجتماعية والماء والبيئة السليمة بما من شأنه أن يكون رافدا للتنمية الاقتصادية وليس معرقلا لها.
أما على مستوى الوظيفة التشريعية فقد أضاف غرفة برلمانية جديدة لتعاضد مجلس النواب وهي مجلس الجهات والأقاليم الذي “يعرض عليه وجوبا المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم. (الفصل 84)”. كما يمارس صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية. وسيقوم بدور هام في الحد من الفوارق بين الجهات لاسيما في مجال توفير المرافق الأساسية والحد من الفقر والبطالة حيث ان المؤِشرات الوطنية تخفي دوما الفجوة بين الجهات. كما لا يرقى أي شك في مجال إيلاء مقاربة التخطيط التنموي الأهمية اللازمة وذلك بإفرادها بفصل خاص علاوة على دور الوظيفة التشريعية في مناقشة قانون المالية وميزانية الدولة بصفة سنوية. وأولى الدستور أهمية بالغة لتنمية رأس المال البشري ودوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث نص الفصل 135 على إحداث مجلس للتربية والتعليم “يتولى إبداء الرأي في الخطط الوطنية الكبرى في مجال التربية والتعليم والبحث العلمي والتكوين المهني وآفاق التشغيل ” وهي المفاتيح الأساسية للنهوض الاقتصادي في ظل تراجع المنظومة التعليمية والتكوينية وعجزها عن التجاوب مع متطلبات الاقتصاد وسوق الشغل مما أدى إلى ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة والانقطاع المدرسي وانهيار منظومة القيم وبروز عديد الظواهر لا سيما لدى الشباب والتي عمقت من الوهن الاجتماعي فاضطروا إلى الهجرة غير النظامية وسقطوا في مستنقع المخدرات والسرقة والإجرام والتهريب والإرهاب.
لقد استقرأ مشروع الدستور الجديد بصفة جلية وعميقة الإشكاليات الاقتصادية ولم يضمنها بصفة مفصلة لأنها تخضع لمتغيرات دائمة وطنية ودولية وترك المجال للوظيفة التشريعية لتسن القوانين الملائمة للأوضاع الاقتصادية في سياقاتاها المتحولة.